" صفحة رقم ١٧٦ "
أبيح لها أن تقول ما أُمَرِت بقوله وهو قول الجمهور. وقالت فرقة : معنى ) فَقُولِى ( أي بالإشارة لا بالكلام وإلاّ فكان التناقض ينافي قولها انتهى. ولا تناقض لأن المعنى ) فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ( بعد ) قَوْلِي ( هذا وبين الشرط وجزائه جملة محذوفة يد عليه المعنى، أي ) فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً ( وسألك أو حاورك الكلام ) فَقُولِى ).
وقرأ زيد بن عليّ صياماً وفسر ) صَوْماً ( بالإمساك عن الكلام. وفي مصحف عبد الله صمتاً. وعن أنس بن مالك مثله. وقال السدّي وابن زيد : كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام انتهى. والصمت منهي عنه ولا يصح نذره. وفي الحديث :( مره فليتكلم ). وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق وأمرت بنذر الصوم لأن عيسى بما يظهر الله عليه يكفيها أمر الاحتجاج ومجادلة السفهاء. وقوله ) إِنسِيّاً ( لأنها كانت تكلم الملائكة دون الإنس.
( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يامَرْيَمُ مَرْيَمَ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً فَرِيّاً ياأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ).
مريم :( ٢٧ ) فأتت به قومها.....
( فَأَتَتْ بِهِ ( قيل إتيانها كان من ذاتها. قيل : طهرت من النفاس بعد أربعين يوماً وكان الله تعالى قد أراها آيات واضحات، وكلمها عيسى ابنا وحنت إلى الوطن وعلمت أن عيسى سيكفيها من يكلمها فعادت إلى قومها. وقيل : أرسلوا إليها لتحضري إليها بولدك، وكان الشيطان قد أخبر قومها بولادتها وفي الكلام حذف أي فلما رأوها وابنها ) قَالُواْ ( قال مجاهد والسدّي : الفري العظيم الشنيع. وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية ) فَرِيّاً ( بسكون الراء، وفيما نقل ابن خالويه فرئاً بالهمز، و ) هَارُونَ ( شقيقها أو أخوها من أمّها، وكان من أمثل بني إسرائيل، أو ) هَارُونَ ( أخو موسى إذ كانت من نسله، أو رجل صالح من بني إسرائيل شبهت به، أو رجل من النساء وشبهوها به أقوال. والأولى أنه أخوها الأقرب.
مريم :( ٢٨ ) يا أخت هارون.....
وفي حديث المغيرة حين خصمه نصارى نجران في قوله تعالى ) فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ( والمدة بينهما طويلة جداً فقال له الرسول :( ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم ). وأنكروا عليها ما جاءت به وأن أبويها كانا صالحين، فكيف صدرت منك هذه الفعلة القبيحة وفي هذا دليل على أن الفروع غالباً تكون زاكية إذا زكت الأصول، وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك.
وقرأ عمر بن لجا التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريراً ) مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْء ( لجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة وحسن ذلك قليلاً كونها فيها مسوع جواز الابتداء وهو الإضافة، ولما اتهموها بما اتهموها نفوا عن أبويها السوء لمناسبة الولادة، ولم ينصوا على إثبات الصلاح وإن كان نفي السوء يوجب الصلاح ونفي البغاء يوجب العفة لأنهما بالنسبة إليهما نقيضان.
مريم :( ٢٩ ) فأشارت إليه قالوا.....
روي أنها لما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ذلك. وقيل : هموا برجمها حتى تكلم عيسى فتركوها.
( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ( أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه. وقيل : كان المستنطق لعيسى