" صفحة رقم ١٧٩ "
اللفظ لا يكون الذات. وقرأ طلحة والأعمش في رواية زائدة قال : بألف جعله فعلاً ماضياً ) الْحَقّ ( برفع القاف على الفاعلية، والمعنى قال الحق وهو الله ) ذالِكَ ( الناطق الموصوف بتلك الأوصاف هو ) عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ( و ) الَّذِى ( على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي. وقرأ عليّ كرم الله وجهه والسلمي وداود بن أبي هند ونافع في رواية والكسائي في رواية ) تَمْتَرُونَ ( بتاء الخطاب والجمهور بياء الغيبة، وامترى افتعل إما من المرية وهي الشك، وإما من المراء وهو المجادلة والملاحاة، وكلاهما مقول هنا قالت اليهود ساحر كذاب، وقالت النصارى ابن الله وثالثها ثلاثة وهو الله
مريم :( ٣٥ ) ما كان لله.....
( مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدِهِ ( هذا تكذيب للنصارى في دعواهم أنه ابن الله، وإذا استحالت البنوة فاستحالة الإلهية مستقلة أو بالتثليث أبلغ في الاستحالة، وهذا التركيب معناه الانتفاء فتارة يدل من جهة المعنى على الزجر ) مَا كَانَ لاهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الاْعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ ( وتارة على التعجيز ) مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ( وتارة على التنزيه كهذه الآية، ولذلك أعقب هذا النفي بقوله ) سُبْحَانَهُ ( أي تنزه عن الولد إذ هو مما لا يتأتى ولا يتصور في المعقول ولا تتعلق به القدرة لاستجالته، إذ هو تعالى متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أو جده فهو منزه عن التوالد. وتقدم الكلام على الجملة من قوله ) إِذَا قَضَى أَمْرًا ).
مريم :( ٣٦ ) وإن الله ربي.....
وقرأ الجمهور ) وَأَنَّ اللَّهَ ( بكسر الهمزة على الاستئناف. وقرأ أبي بالكسر دون واو، وقرأ الحرميان وأبو عمرو ) وَأَنْ ( بالواو وفتح الهمزة، وخرجه ابن عطية على أن يكون معطوفاً على قوله هذا ) قَوْلَ الْحَقّ ( ) وَإِنَّ اللَّهَ رَبّى ( كذلك. وخرجه الزمخشري على أن معناه ولأنه ربي وربكم فاعبدوه كقوله ) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً ( انتهى. وهذا قول الخليل وسيبويه وفي حرف أبي أيضاً، وبأن ) اللَّهِ ( بالواو وباء الجر أي بسبب ذلك فاعبدوه. وأجاز الفراء في ) وَأَنْ ( يكون في موضع خفض معطوفاً على والزكاة، أي ) وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ ( وبأن الله ربي وربكم انتهى. وهذا في غاية البعد للفصل الكثير، وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى الأمر ) إِنَّ اللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ ).
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء أن يكون المعنى، وقضى ) إِنَّ اللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ ( فهي معطوفة على قوله ) أمْراً ( من قوله ) إِذَا قَضَى أَمْرًا ( والمعنى ) إِذَا قَضَى أَمْرًا ( وقضى ) إِنَّ اللَّهَ ( انتهى. وهذا تخبيط في الإعراب لأنه إذا كان معطوفاً على ) أمْراً ( كان في حيز الشرط، وكونه تعالى ربنا لا يتقيد بالشرط وهذا يبعد أن يكون قاله أبو عمرو بن العلاء فإنه من الجلالة في علم النحو بالمكان الذي قل أن يوازنه أحد مع كونه عربياً، ولعل ذلك من فهم أبي عبيدة فإنه يضعف في النحو والخطاب في قول ) وَرَبّكُمْ ( قيل لمعاصري رسول الله ( ﷺ ) ) من اليهود والنصارى أمر الله تعالى أن يقول لهم ) ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ( أي قل لهم يا محمد هذا الكلام. وقيل : الخطاب للذين خاطبهم عيسى بقوله ) إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ( الآية وإن الله معطوف على الكتاب، وقد قال وهب عهد عيسى إليهم ) إِنَّ اللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ ( ومن كسر الهمزة عطف على قوله ) إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ( فيكون محكياً. يقال : وعلى هذا القول يكون قوله ) ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِلَى وَأَنَّ اللَّهَ ( حمل اعتراض أخبر الله تعالى بها رسوله عليه السلام.
والإشارة بقوله ) هَاذَا ( أي القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة، هو الطريق المستقيم الذي يفضي بقائله ومعتقده إلى النجاة
مريم :( ٣٧ - ٣٨ ) فاختلف الأحزاب من.....
( فَاخْتَلَفَ الاْحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ( هذا إخبار من الله للرسول بتفرق بني إسرائيل فرقاً، ومعنى ) مِن بَيْنِهِمْ ( أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين لم يقع الاختلاف سببه غيرهم. و ) الاْحَزَابِ ( قال الكلبي : اليهود والنصارى. وقال الحسن : الذين تحزبوا على الانبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس انتهى. فالضمير في ) بَيْنَهُمْ ( على هذا ليس عائداً على ) الاْحَزَابِ ). وقيل :) الاْحَزَابِ ( هنا المسلمون واليهود والنصارى. وقيل : هم النصارى فقط.
وعن قتادة إن بني إسرائيل جمعوا أربعة من أحبارهم. فقال أحدهم : عيسى هو الله نزل إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات، فكذبه الثلاثة واتبعته اليعقوبية. ثم قال أحد الثلاثة : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعته النسطورية، وقال أحد الاثنين : عيسى أحد ثلاثة الله إله، ومريم إله، وعيسى إله فكذبه


الصفحة التالية
Icon