" صفحة رقم ٢١٥ "
القلب، وذهب بعض السلف إلى أن قوله ) وَأَخْفَى ( هو فعل ماض لا أفعل تفضيل أي ) يَعْلَمْ ( أسرار العباد ) وَأَخْفَى ( عنهم ما يعلمه هو كقوله ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ ( وقوله ) وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ). قال ابن عطية : وهو ضعيف.
وقال الزمخشري : وليس بذلك قال : فإن قلت : كيف طابق الجزاء الشرط ؟ قلت : معناه إن تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فاعلم أنه غني عن جهرك فإما أن يكون نهياً عن الجهر كقوله ) وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ( وإما تعليماً للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله وإنما هو لغرض آخر انتهى.
طه :( ٨ ) الله لا إله.....
والجلالة مبتدأ و ) لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ ( الخبر و ) لَهُ الاْسْمَاء الْحُسْنَى ( خبر ثان، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل من ذا الذي يعلم السر وأخفى ؟ فقيل : هو ) اللَّهِ ( و ) الْحُسْنَى ( تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة تجري على جمع التكسير، وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة والأحسنية كونها تضمنت المعاني التي هي في غاية الحسن من التقديس والتعظيم والربوبية، والأفعال التي لا يمكن صدورها إلاّ منه، وذكروا أن هذه ) الاْسْمَاء ( هي التي قال فيها رسول الله ( ﷺ ) ) :( إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ). وذكرها الترمذي مسندة.
( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لاِهْلِهِ نَاراً فَقَالَ لاِهْلِهِ امْكُثُواْ إِنّىءانَسْتُ نَاراً لَّعَلّى اتِيكُمْ مّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يامُوسَى إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَاهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَواةَ لِذِكْرِى إِنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يامُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الاْولَى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء ءايَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ ءايَاتِنَا الْكُبْرَى اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ).
طه :( ٩ ) وهل أتاك حديث.....
ولما ذكر تعالى تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسوله أتبعه بقصة موسى ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، كما قال تعالى ) وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ( فقال تعالى :) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ( وهذا استفهام تقرير يحث على الإصغاء لما يلقى إليه وعلى التأسي. وقيل :) هَلُ ( بمعنى قد أي قد ) ءاتَاكَ (، والظاهر خلاف هذا لأن السورة مكية. والظاهر أنه لم يكن أطلعه على قصة موسى قبل هذا. وقيل : إنه استفهام معناه النفي أي ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى، ونحن الآن قاصون قصته لتتسلى وتتأسى وكان من حديثه أنه عليه السلام لما قضى أكمل الأجلين استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته فأذن له، وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره، فخرج بأهله وماله وكان في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل فلا يدري أليلاً تضع أم نهاراً، فسار في البرية لا يعرف طرقها، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور. قيل : كان رجلاً غيوراً يصحب الرفقة ليلاً ويفارقهم نهار لئلا ترى امرأته، فأضل الطريق.
قال وهب : ولد له ابن في الطريق
طه :( ١٠ ) إذ رأى نارا.....
ولما صلد زنده ) رَأَى نَاراً ). والظاهر أن ) إِذْ ( ظرف للحديث لأنه حدث. وأجاز الزمخشري أن تكون ظرفاً لمضمر أي ) نَارًا ( كان كيت وكيت، وأن تكون مفعولاً لأذكر ) امْكُثُواْ ( أي أقيموا في مكانكم، وخاطب امرأته وولديه والخادم. وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية ) لاِهْلِهِ امْكُثُواْ ( بضم الهاء وكذا في القصص والجمهور بكسرها ) إِنّى آنَسْتُ ( أي أحسست، والنار على بعد لا تحس إلاّ بالبصر فلذلك فسره بعضهم برأيت، والإيناس أعم من الرؤية لأنك تقول


الصفحة التالية
Icon