" صفحة رقم ٢٣٤ "
ْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ).
طه :( ٥٣ ) الذي جعل لكم.....
ولما ذكر موسى دلالته على ربوبية الله تعالى وثم كلامه عند قوله ) وَلاَ يَنسَى ( ذكر تعالى ما نبه به على قدرته تعالى ووحدانيته، فأخبر عن نفسه بأنه تعالى هو الذي صنع كيت وكيت، وإنما ذهبنا إلى أن هذا هو من كلام الله تعالى لقوله تعالى ) فَأَخْرَجْنَا ( وقوله
طه :( ٥٤ ) كلوا وارعوا أنعامكم.....
( كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ( وقوله ) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ( فيكون قوله ) فَأَخْرَجْنَا ( و ) أَرَيْنَاهُ ( التفاتاً من الضمير الغائب في ) أعل ( وسلك إلى ضمير المتكلم لمعظم نفسه، ولا يكون الالتفات من قائلين وأبعد من ذهب إلى أن الذي نعت لقوله ) إِنَّهُ رَبّى ( فيكون في موضع رفع أو يكون في موضع نصب على المدح وقالهما الحوفي والزمخشري لكونه كان يكون كلام موسى فلا يتأتى الالتفات في قوله ) فَأَخْرَجْنَا ( ) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ).
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون ) فَأَخْرَجْنَا ( من كلام موسى حكاية عن الله تعالى على تقدير يقول عز وجل ) فَأَخْرَجْنَا ( ويحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله ) وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ( ثم وصل الله كلام موسى بإخباره لمحمد ( ﷺ ) ) والمراد بالخطاب في لكم الخلق أجمع نبههم على هذه الآيات. وقرأ الأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة والكسائي ) مِهَاداً ( بفتح الميم وإسكان الهاء، وباقي السبعة مهاداً وكذا في الزخرف فقال المفضل : مصدران مهد مهداً ومهاداً. وقال أبو عبيد : مهاد اسم، ومهد الفعل يعني المصدر. وقال آخر ) مِهَاداً ( مفرد ومهاد جمعه، ومعنى ذلك أنه تعالى جعلها لهم يتصرفون عليها في جميع أحوالهم ومنافعهم، ونهج لكم فيها طرقاً لمقاصدكم حتى لا تتعذر عليكم مصالحكم. والضمير في ) بِهِ ( عائد على الماء أي بسببه.
( أَزْواجاً ( أي أصنافاً وهذا الالتفات في أخرجنا كهو في قوله ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا ( ) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا ( ) وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء ( وفي هذا الالتفات تخصيص أيضاً بأنا نحن نقدر على مثل هذا، ولا يدخل تحت قدرة أحد والأجود أن يكون ) شَتَّى ( في موضع نصب نعتاً لقوله ) أَزْواجاً ( لأنها المحدث عنها.
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون صفة للنبات، والنبات مصدر سُمِّيَ به النابت كما سُمِّيَ بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع، يعني أنها ) شَتَّى ( مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.
قالوا : من نعمته عز وجل أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله ) كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ( أمر إباحة معمول لحال محذوفة أي ) فَأَخْرَجْنَا ( قائلين أي آذنين في الانتفاع بها، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها، عُدِيّ هنا ) وَارْعَوْا ( ورعى يكون لازماً ومتعدياً تقول : رعت الدابة رعياً، ورعاها صاحبها رعاية إذا سامها وسرحها وأراحها قاله الزجاج. وأشار بقوله ) إِنَّ فِى ذَلِكَ ( للآيات السابقة من جعل الأرض مهداً وسلك سبلها وإنزال الماء وإخراج النبات. وقالوا ) النُّهَى ( جمع نهية وهو العقل سُمِّيَ بذلك لأنه ينهى عن القبائح، وأجاز أبو علي أن يكون مصدراً كالهدي.
طه :( ٥٥ ) منها خلقناكم وفيها.....
والضمير في ) مِنْهَا ( يعود على الأرض، وأراد خلق أصلهم آدم. وقيل : ينطلق الملك إلى تربة المكان الذي يدفن فيه من يخلق فيبددها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معاً قاله عطاء الخراساني. وقيل : من الأغذية التي تتولد من الأرض فيكون ذلك تنبيهاً على ما تولدت منها الأخلاط المتولد منها الإنسان فهو من باب مجاز المجاز ) وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ( أي بالدفن بها أو بالتمزيق عليها ) وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً ( بالبعث ) تَارَةً ( مرة ) أُخْرَى ( يؤلف أجزاءهم المتفرقة ويردّهم كما كانوا أحياء. وقوله ) أُخْرَى ( أي إخراجة أخرى لأن معنى قوله ) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ ( أخرجناكم.
طه :( ٥٦ ) ولقد أريناه آياتنا.....
( وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءايَاتِنَا كُلَّهَا ( هذا إخبار من الله تعالى لمحمد ( ﷺ ) )، وهذا يدل على أن قوله ) فَأَخْرَجْنَا ( إنما هو خطاب له عليه السلام ) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ( هي المنقولة


الصفحة التالية
Icon