" صفحة رقم ٢٤٥ "
البحر فرأى الماء على تلك الحال فجزع قومه واستعظموا الأمر فقال لهم : إنما انفلق من هيبتي وتقدم غرق فرعون وقومه في سورة يونس. والظاهر أن لفظة اضرب هنا على حقيقتها من مس العصا بقوّة، وتحامل على العصا ويوضحه في آية أخرى ) أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ ( فالمعنى أن اضرب بعصاك البحر لينفلق لهم فيصير طريقاً فتعدى إلى الطريق بدخول هذا المعنى لما كان الطريق متسبباً عن الضرب جعل كأنه المضروب.
وقال الزمخشري :) فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً ( فاجعل لهم من قولهم : ضرب له في ماله سهماً، وضرب اللبن عمله انتهى. وفي الحديث :( اضربوا لي معكم بسهم ). ولما لم يذكر المضروب حقيقة وهو البحر، ولو كان صرّح بالمضروب حقيقة لكان التركيب طريقاً فيه، فكان يعود على البحر المضروب و ) يَبَساً ( مصدر وصف به الطريق وصفه بما آل إليه إذ كان حالة الضرب لم يتصف باليبس بل مرت عليه الصبا فجففته كما روي، ويقال : يبس يبساً ويبساً كالعدم والعدم ومن كونه مصدراً وصف به المؤنث قالوا : شاة يبس وناقة يبس إذا جف لبنها. وقرأ الحسن يَبْساً بسكون الباء. قال صاحب اللوامح : قد يكون مصدراً كالعامة وقد يكون بالإسكان المصدر وبالفتح الاسم كالنفض. وقال الزمخشري : لا يخلو اليبس من أن يكون مخففاً عن اليبس أو صفة على فعل أو جمع يابس كصاحب وصحب، وصف به الواحد تأكيداً لقوله ومعاً جياعاً جعله لفرط جوعه كجماعة جياع انتهى. وقرأ أبو حيوة : يابساً اسم فاعل.
وقرأ الجمهور : لا تخاف وهي جملة في موضع الحال من الضمير ) فَاضْرِب ( وقيل في موضع الصفة للطريق، وحذف العائد أي لا تخاف فيه. وقرأ الأعمش : وحمزة وابن أبي ليلى ) لاَ تَخَفْ ( بالجزم على جواب الأمر أو على نهي مستأنف قاله الزجاج. وقرأ أبو حيوة وطلحة والأعمش، دَرْكاً بسكون الراء والجمهور بفتحها، والدرك والدرك اسمان من الإدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يلحقونك ) وَلاَ تَخْشَى ( أنت ولا قومك غرقاً وعطفه على قراءة الجمهور لا تخاف ظاهر، وأما على قراءة الجزم فخرج على أن الألف جيء بها لأجل أواخر الآي فاصلة نحو قوله ) فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ ( وعلى أنه إخبار مستأنف أي وأنت ) لا ( وعلى أنه مجزوم بحذف الحركة المقدرة على لغة من قال : ألم يأتيك وهي لغة قليلة. وقال الشاعر : إذا العجوز غضبت فطلق
ولا ترضاها ولا تملق
طه :( ٧٨ ) فأتبعهم فرعون بجنوده.....
وقرأ الجمهور :) تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ ( بسكون التاء، وأتبع قد يكون بمعنى تبع فيتعدى إلى واحد كقوله ) فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ( وقد يتعدى إلى اثنين كقوله : وأتبعناهم ذرياتهم فتكون التاء زائدة أي جنوده، أو تكون للحال والمفعول الثاني محذوف أي رؤساؤه وحشمه. وقرأ أبو عمرو في رواية والحسن فاتَّبعَعهم بتشديد التاء وكذا عن الحسن في جميع ما في القرآن إلا ) فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ( والباء في بجنوده في موضع الحال كما تقول : اخرج زيد بسلاحه أو الباء للتعدي لمفعول ثان بحرف جر، إذ لا يتعدى اتبع بنفسه إلا إلى حرف واحد.
وقرأ الجمهور ) بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ ( على وزن فعل مجرد من الزيادة. وقرأت فرقة منهم الأعمش فغشاهم من اليم ما غشاهم بتضعيف العين فالفاعل في القراءة الأولى ) مَا ( وفي الثانية الفاعل الله أي فغشاهم الله. قال الزمخشري : أو فرعون لأنه الذي ورط جنوده وتسبب لهلاكهم. وقال ) مَا غَشِيَهُمْ ( من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة، أي ) غَشِيَهُمْ ( ما لا يعلم كَنَهَهُ إلاّ الله. وقال ابن


الصفحة التالية
Icon