" صفحة رقم ٣٠٢ "
رجعوا من عيدهم إلى آلهتهم ورأوا ما فعل بها استفهموا على سبيل البحث والإنكار فقالوا :) مَن فَعَلَ هَاذَا ( أي التكسير والتحطيم إنه لظالم في اجرتائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير
الأنبياء :( ٦٠ ) قالوا سمعنا فتى.....
( قَالُواْ ( أي قال الذين سمعوا قوله ) وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ( ) يَذْكُرُهُمْ ( أي بسوء. قال الفراء : يقول الرجل للرجل لئن ذكرتني لتندمن أي بسوء. قال الزمخشري : فإن قلت : ما حكم الفعلين بعد ) سَمِعْنَا فَتًى ( وأي فرق بينهما ؟ قلت : هما صفتان لفتى إلا أن الأول وهو يذكرهم لا بد منه لسمع لأنك لا تقول : سمعت زيداً وتسكت حتى تذكر شيئاً مما يسمع، وأما الثاني فليس كذلك انتهى. وأما قوله : هما صفتان فلا يتعين ذلك لما أذكره إما سمع فإما أن يدخل على مسموع أو غيره إن دخلت على مسموع فلا خلاف أنها تتعدى إلى واحد نحو : سمعت كلام زيد ومقالة خالد، وإن دخلت على غير مسموع فاختلف فيها. فقيل : إنها تتعدى إلى اثنين وهو مذهب الفارسي، ويكون الثاني مما يدل على صوت فلا يقال سمعت زيداً بركب، ومذهب غيره أن سمع يتعدى إلى واحد والفعل بعده إن كان معرفة في موضع الحال منها أو نكرة في موضع الصفة، وكلا المذهبين يستدل لهما في علم النحو فعلى هذا المذهب الآخر يتمشى قول الزمخشري أنه صفة لفتى، وأما على مذهب أبي عليّ فلا يكون إلاّ في موضع المفعول الثاني لسمع.
وأما ) يُقَالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ( فيحتمل أن يكون جواباً لسؤال مقدر لما قالوا ) سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ( وأتوا به منكراً قيل : من يقال له فقيل له إبراهيم، وارتفع ) إِبْرَاهِيمَ ( على أنه مقدر بجملة تحكى بقال، إما على النداء أي ) يُقَالُ لَهُ ( حين يدعى يا ) إِبْرَاهِيمَ ( وإما على خبر مبتدأ محذوف أي هو ) إِبْرَاهِيمَ ( أو على أنه مفرد مفعول لما لم يسم فاعله، ويكون من الإسناد للفظ لا لمدلوله، أي يطلق عليه هذا اللفظ وهذا الآخر هو اختيار الزمخشري وابن عطية، وهو مختلف في إجازته فذهب الزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن مالك إلى تجويز نصب القول للمفرد مما لا يكون مقتطعاً من جملة نحو قوله :
إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة
ولا مفرداً معناه معنى الجملة نحو قلت : خطبة ولا مصدراً نحو قلت قولاً، ولا صفة له نحو : قلت حقاً بل لمجرد اللفظ نحو قلت زيداً. ومن النحويين من منع ذلك وهو الصحيح إذ لا يحفظ من لسانهم قال : فلان زيداً ولا قال ضرب ولا قال ليت، وإنما وقع القول في كلام العرب لحكاية الجمل وذهب الأعلم إلى أن ) إِبْرَاهِيمَ ( ارتفع بالإهمال لأنه لم يتقدمه عامل يؤثر في لفظه، إذ القول لا يؤثر إلاّ في المفرد المتضمن لمعنى الجملة فبقي مهملاً والمهمل إذا ضم إلى غيره ارتفع نحو قولهم : واحد واثنان إذا عدّوا ولم يدخلوا عاملاً لا في اللفظ ولا في التقدير، وعطفوا بعض أسماء العدد على بعض، والكلام على مذهب الأعلم وإبطاله مذكور في النحو.
الأنبياء :( ٦١ ) قالوا فأتوا به.....
( قَالُواْ ( أي أحضروه ) بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ( أي معايناً بمرأى منهم فعلى أعين الناس في موضع الحال و ) عَلَى ( معناها الاستعلاء المجازي كأنه لتحديقهم إليه وارتفاع أبصارهم لرؤيته مستعل على أبصارهم ) لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ( عليه بما سمع منه أو بما صدر منه من تكسير أصنامهم أو يشهدون ما يحل به من عذابنا أو غلبنا له المؤدي إلى عذابه. وقيل :) النَّاسِ ( هنا خواص الملك وأولياؤه وفي الكلام حذف تقديره ) فَأْتُواْ بِهِ ( على تلك الحالة من نظر الناس إليه.
الأنبياء :( ٦٢ ) قالوا أأنت فعلت.....
( قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هَاذَا ( أي الكسر والتهشيم ) بِئَالِهَتِنَا ( وارتفاع ) أَنتَ ( المختار أنه بفعل محذوف يفسره ) فَعَلْتَ ( ولما حذف انفصل الضمير، ويجوز أن يكون مبتدأ وإذا تقدم الاسم في نحو هذا التركيب على الفعل كان الفعل صادراً واستفهم عن فاعله وهو المشكوك فيه، وإذا تقدم الفعل كان الفعل مشكوكاً فيه فاستفهم عنه أوقع أو لم يقع،
الأنبياء :( ٦٣ ) قال بل فعله.....
والظاهر أن ) بَلِ ( للإضراب عن جملة محذوفة أي قال لم أفعله إنما


الصفحة التالية
Icon