" صفحة رقم ٣٣١ "
نفعاً وهو يعتقد فيه بجهله وضلالته أن سينتفع به، ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها ) لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ( وكرر يدعوا كأنه قال ) يَدْعُو ( ) يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ( ثم قال ) لَمَنْ ضَرُّهُ ( بكونه معبوداً ) أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ( بكونه شفيعاً ) لَبِئْسَ الْمَوْلَى ( انتهى. فجعل الزمخشري المدعو في الآيتين الأصنام وأزال التعارض باختلاف القائلين بالجملة الأول من قول الله تعالى إخباراً عن حال الأصنام. والجملة الثانية من كلام عباد الأصنام يقولون ذلك في الآخرة، وحكى الله عنهم ذلك وأنهم أثبتوا ضراً بكونهم عبدوه، وأثبتوا نفعاً بكونهم اعتقدوه شفيعاً. فالنافي هناك غير المثبت هنا، فزال التعارض على زعمه والذي أقول إن الصنم ليس له نفع ألبتة حتى يقال ) ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ).
وأجاب بعضهم عن زعم من زعم أن الظاهر الآيتين يقتضي التعارض بأنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها نسب الضرر إليها كقوله ) رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ ( أضاف الإضلال إليهم إذ كانوا سبب الضلال، فكذا هنا نفي الضرر عنهم لكونها ليست فاعلة ثم أضافه إليها لكونها سبب الضرر. وقال آخرون : هي في الحقيقة لا تضر ولا تنفع بين ذلك في الآية الأولى ثم أثبت لها الضر والنفع في الثانية على طريق التسليم، أي ولو سلمنا كونها ضارة نافعة لكان ضرها أكثر من نفعها، وتكلف المعربون وجوهاً فقالوا ) يَدْعُو ( إما أن يكون لها تعلق بقوله ) لَمَنْ ضَرُّهُ ( أولاً إن لم يكن لها تعلق فوجوه.
أحدها : أن يكون توكيداً لفظياً ليدعو الأولى، فلا يكون لها معمول.
الثاني : أن تكون عاملة في ذلك من قوله ) ذالِكَ هُوَ الضَّلاَلُ ( وقد المفعول الذي هو ) ذالِكَ ( وجعل موصولاً بمعنى الذي قاله أبو علي الفارسي، وهذا لا يصح إلا على قول الكوفيين إذ يجيزون في اسم الإشارة أن يكون موصولاً، والبصريون لا يجيزون ذلك إلاّ في ذا بشرط أن يتقدمها الاستفهام بما أو من.
الثالث : أن يكون ) يَدْعُو ( في موضع الحال، ( وَذَلِكَ ( مبتدأ وهو فصل أو مبتدأ وحذف الضمير من ) يَدْعُو ( أي يدعوه وقدره مدعواً وهذا ضعيف، لأن يدعوه لا يقدر مدعواً إنما يقدر داعياً، فلو كان يدعى مبنياً للمفعول لكان تقديره مدعواً جارياً على القياس. وقال نحوه الزجاج وإن كان له تعلق بقوله ) لَمَنْ ضَرُّهُ ( فوجوه.
أحدها : ما قاله الأخفش وهو أن ) يَدْعُو ( بمعنى يقول و ) مِنْ ( مبتدأ موصول صلته الجملة بعده. وهي ) ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ( وخبر المبتدأ محذوف، تقديره إله وإلهي. والجملة في موضع نصب محكية بيدعو التي هي بمعنى يقول، قيل : هو فاسد المعنى لأن الكافر لم يعتقد قط أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها. وقيل : في هذا القول يكون ) لَبِئْسَ ( مستأنفاً لأنه لا يصح دخوله في الحكاية لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم ) لَبِئْسَ الْمَوْلَى ).
الثاني : أن ) يَدْعُو ( بمعنى يسمي، والمحذوف آخراً هو المفعول الثاني ليسمى تقديره إلهاً وهذا لا يتم إلاّ بتقدير زيادة اللام أي يدعو من ضره.
الثالث : أن يدعو شبه بأفعال القلوب لأن الدعاء لا يصدر إلاّ عن اعتقاد، والأحسن أن يضمن معنى يزعم ويقدر لمن خبره، والجملة في موضع نصب ليدعو أشار إلى هذا الوجه الفارسي.
والرابع : ما قاله الفراء وهو أن اللام دخلت في غير موضعها والتقدير ) يَدْعُو ( من لضره أقرب من نفعه، وهذا


الصفحة التالية
Icon