" صفحة رقم ٣٦٠ "
النفي بلا وهو الصحيح، والاستدلال عليه مذكور في النحو. وبدأ تعالى بنفي اختراعهم وخلقهم أقل المخلوقات من حيث أن الاختراع صفة له تعالى ثابتة مختصة لا يشركه فيها أحد، وثنى بالأمر الذي بلغ بهم غاية التعجيز وهو أمر سلب ) الذُّبَابُ ( وعدم استنقاذ شيء مما ) يَسْلُبْهُمُ ( وكان الذباب كثيراً عند العرب، وكانوا يضمخون أوثانهم بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك. وعن ابن عباس : كانوا يطلونها بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها فيدخل الذباب من الكوى فيأكله. وموضع ) وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ ( قال الزمخشري : نصب على الحال كأنه قال مستحيل : أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم جميعاً لخلقه، وتعاونهم عليه انتهى.
وتقدم لنا الكلام على نظير ) وَلَوْ ( هذه، وتقرر أن الواو فيه للعطف على حال محذوفة، كأنه قيل ) لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً ( على كل حال ولو في هذه الحال التي كانت تقتضي أن يخلقوا لأجل اجتماعهم، ولكنه ليس في مقدورهم ذلك.
( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ( قال ابن عباس : الصنم والذباب، أي ينبغي أن يكون الضم طالباً لما سلب من طيبهم على معهود الأنفة في الحيوان. وقيل ) المطلوب ( الآلهة و ) ضَعُفَ الطَّالِبُ ( الذباب فضعف الآلهة أن لا منعة لهم، وضعف الذباب في استلابه ما على الآلهة. وقال الضحاك : العابد والمعبود فضعف العابد في طلبهم الخير من غير جهته، وضعف المعبود في إيصال ذلك لعابده. وقال الزمخشري : وقوله ) ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (
. وقيل : معناه التعجب أي ما أضعف الطالب والمطلوب.
الحج :( ٧٤ ) ما قدروا الله.....
( مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ( أي ما عرفوه حق معرفته منافيتين لصفات آلهتهم من القوة والغلبة حيث عبدوا من هو منسلخ عن صفاته وسموه باسمه، ولم يؤهلوا خالقهم للعبادة ثم ختم بصفتين منافيتين لصفات آلهتهم من القوة والغلبة
الحج :( ٧٥ ) الله يصطفي من.....
( اللَّهُ يَصْطَفِى ( الآية نزلت بسبب قول الوليد بن المغيرة ) عَلَيْهِ الذّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل ( الآية، وأنكروا أن يكون الرسول من البشر فرد الله عليهم بأن رسله ملائكة وبشر،
الحج :( ٧٦ ) يعلم ما بين.....
ثم ذكر أنه عالم بأحوال المكلفين لا يخفى عليه منهم شيء وإليه مرجع الأمور كلها.
الحج :( ٧٧ - ٧٨ ) يا أيها الذين.....
ولما ذكر تعالى أنه اصطفى رسلاً من البشر إلى الخلق أمرهم بإقامة ما جاءت به الرسل من التكاليف وهو الصلاة قيل : كان الناس أول ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويرجعون بلا سجود، فأمروا أن تكون صلاتهم بكوع وسجود واتفقوا على مشروعية السجود في آخر آية ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ ( وأما في هذه الآية فمذهب مالك وأبي حنيفة أنه لا يسجد فيها، ومذهب الشافعي وأحمد أنه يسجد فيها وبه قال عمر وابنه عبد الله وعثمان وأبو الدرداء وأبو موسى وابن عباس ) وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ ( أي افردوه بالعبادة ) وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ ( قال ابن عباس : صلة الأرحام ومكارم الأخلاق، ويظهر في هذا الترتيب أنهم أمروا أولاً بالصلاة وهي نوع من العبادة، وثانياً بالعبادة وهي نوع من فعل الخير، وثالثاً بفعل الخير وهو أعم من العبادة فبدأ بخاص ثم بعام ثم بأعم.
( وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ ( أمر بالجهاد في دين الله وإعزاز كلمته يشمل جهاد الكفار والمبتدعة وجهاد النفس. وقيل : أمر بجهاد الكفار خاصة ) حَقَّ جِهَادِهِ ( أي استفرغوا جهدكم وطاقتكم في ذلك، وأضاف الجهاد إليه تعالى لما كان مختصاً بالله من حيث هو مفعول لوجهه ومن أجله، فالإضافة تكون بأدنى ملابسة. قال الزمخشري : ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله :
ويوم شهدناه سليماً وعامراً
انتهى. يعني بالظرف الجار والمجرور، كأنه كان الأصل حق جهاد فيه فاتسع بأن حذف حرف الجر وأضيف جهاد إلى الضمير. و ) حَقَّ جِهَادِهِ ( من باب هو حق عالم وجد عالم أي عالم حقاً وعالم جداً. وعن مجاهد والكلبي أنه منسوخ بقوله ) فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ).
) هُوَ اجْتَبَاكُمْ ( أي اختاركم لتحمل


الصفحة التالية
Icon