" صفحة رقم ٣٧٢ "
ِ مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لاَنزَلَ ).
المؤمنون :( ٢٣ ) ولقد أرسلنا نوحا.....
لما ذكر أولاً بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سبباً لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالاً لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال الله رسلاً المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولاً آدم في قوله ) مِن سُلَالَةٍ مّن طِينٍ ( ولقصته أيضاً مناسبة بما قبلها إذ قبلها ) وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ( فذكر قصة من صنع الفلك أولاً وأنه كان سبب نجاة من آمن وهلك من لم يكن فيه الفلك من نعمة الله، كل هذه القصص يحذر بها قريشاً نقم الله ويذكرهم نعمه.
( مَا لَكُم مّنْ إِلَاهٍ غَيْرِى ( جملة مستأنفة منبهة على أن يفرد بالعبادة من كان منفرداً بالإلهية فكأنها تعليل لقوله ) اعْبُدُواْ اللَّهَ ( ) أَفَلاَ تَتَّقُونَ ( أي أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره
المؤمنون :( ٢٤ ) فقال الملأ الذين.....
( فَقَالَ الْمَلا ( أي كبراء الناس وعظماؤهم، وهم الذين هم أعصى الناس وأبعدهم لقبول الخير. ) مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ( أي مساويكم في البشرية. فأتى تؤفكون له اختصاص بالرسالة.
( يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ( أي يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله :) وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِى الاْرْضِ ( ) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لاَنزَلَ مَلَائِكَةً ( هذا يدل على أنهم كانوا مقرين بالملائكة وهذه شنشنة قريش ودأبها في استبعاد إرسال الله البشر، والإشارة في هذا تحتمل أن تكون لنوح عليه السلام، وأن تكون إلى ما كلمهم به من الأمر بعبادة الله ورفض أصنامهم، وأن يكون إلى ما أتى به من أنه رسول الله وهو بشر، وأعجب بضلال هؤلاء استبعدوا رسالة البشر واعتقدوا إلهية الحجر. وقولهم ) مَّا سَمِعْنَا بِهَاذَا ( الظاهر أنهم كانوا مباهتين وإلاّ فنبوّة إدريس وآدم لم تكن المدة بينها وبينهم متطاولة بحيث تنسى فدافعوا الحق بما أمكنهم دفاعه،
المؤمنون :( ٢٥ ) إن هو إلا.....
ولهذا قالوا ) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ( ومعلوم عندهم أنه ليس بمجنون ) فَتَرَبَّصُواْ بِهِ ( أي انتظروا حاله حتى يجلي أمره وعاقبة خبره.
المؤمنون :( ٢٦ - ٢٨ ) قال رب انصرني.....
فدعا ربه تعالى بأن ينصره ويظفره بهم بسبب ما كذبوه. وقال الزمخشري : يدل ما كذبون كما تقول : هذا بذاك أي بدل ذاك ومكانه، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم ) إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( انتهى.
وقرأ أبو جعفر وابن محيصن ) قَالَ رَبّ ( بضم الباء، وتقدم توجيهه في قوله ) قَالَ رَبّ احْكُم ( بضم الباء وتقدم الكلام على أكثر تفسير ألفاظ هذه الآية في سورة هود، ونهاه تعالى أن يخاطبه في قومه بدعاء نجاة أو غيره وبين علة النهي بأنه تعالى قد حكم عليهم بالإغراق، وأمره تعالى بأن يحمده على نجاته وهلاكهم وكان الأمر له وحده وإن كان الشرط قد شمله ومن معه لأنه نبيهم وإمامهم وهم متبعوه في ذلك إذ هو قدوتهم. قال مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلاّ ملك أو نبي انتهى.
المؤمنون :( ٢٩ ) وقل رب أنزلني.....
ثم أمره أن يدعوه بأنه ينزله ) مُنزَلاً مُّبَارَكاً ( قيل وقال ذلك عند الركوب في السفينة. وقيل : عند الخروج منها. وقرأ الجمهور ) مُنزَلاً ( بضم الميم وفتح الزاي فجاز أن يكون مصدراً ومكاناً أي إنزالاً أو موضع إنزال. وقرأ أبو بكر والمفضل وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبان : بفتح الميم وكسر الزاي أي مكان نزول
المؤمنون :( ٣٠ ) إن في ذلك.....
( إِنَّ فِى ذَلِكَ ( خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أي إن في ما جرى على هذه أمّة نوح لدلائل وعبراً ) وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ( أي لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم أو لمختبرين بهذه الآيات عبادنا ليعتبروا كقوله ) وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ).
) ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ وَقَالَ الْمَلاَ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الاْخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِى الْحَيواةِ الدُّنْيَا مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ ). ( سقط : مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون، أيعدكم أنكم إذا )


الصفحة التالية
Icon