" صفحة رقم ٣٧٨ "
لأن لكل واحد غمرة، وعلى قراءة الجمهور فغمرة تعم إذا أضيفت إلى عام. وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلاً لما هم مغمورون فيه من جهلهم وعمايتهم، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل، قال الشاعر :
كأني ضارب في غمرة لعب
المؤمنون :( ٥٥ - ٥٦ ) أيحسبون أنما نمدهم.....
سلي رسول الله ( ﷺ ) ) بذلك، ونهى عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخره انتهى. ثم وقفهم تعالى على خطأ رأيهم في أن نعمة الله عليهم بالمال ونحوه إنما هي لرضاه عن حالهم، وبيّن تعالى أن ذلك إنما هو إملاء واستدراج إلى المعاصي واستجرار إلى زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعاجلة بالإحسان.
وقرأ ابن وثاب ) أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ ( بكسر الهمزة. وقرأ ابن كثير في رواية يمدهم بالياء، وما في ) إِنَّمَا ( إما بمعنى الذي أو مصدرية أو كافة مهيئة إن كانت بمعنى الذي فصلتها ما بعدها، وخبر إن هي الجملة من قوله ) نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْراتِ ( والرابط لهذه الجملة ضمير محذوف لفهم المعنى تقديره : نسارع لهم به في الخيرات، وحسن حذفه استطالة الكلام مع أمن اللبس. وتقدم نظيره في قوله ) أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ ( وقال هشام بن معونة : الضرر الرابط هو الظاهر وهو ) فِى الْخَيْراتِ ( وكان المعنى ) نُسَارِعُ لَهُمْ ( فيه ثم أظهر فقال ) فِى الْخَيْراتِ ( فلا حذف على هذا التقدير، وهذا يتمشى على مذهب الأخفش في إجازته نحو زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد، فالخيرات من حيث المعنى هي الذي مدُّوا به من المال والبنين وإن كانت ما مصدرية فالمسبوك منها ومما بعدها هو مصدر اسم إن وخبر إن هو ) نُسَارِعُ ( على تقدير مسارعة فيكون الأصل أن نسارع فحذفت أن وارتفع الفعل، والتقدير أيحسبون أن إمدادنا لهم بالمال والبنين مسارعة لهم في الخيرات. وإن كانت ما كافة مهيئة فهو مذهب الكسائي فيها هنا فلا تحتاج إلى ضمير ولا حذف، ويجوز الوقف على ) وَبَنِينَ ( كما تقول حسبت إنما يقوم زيد، وحسبت أنك منطلق، وجاز ذلك لأن ما بعد حسبت قد انتظم مسنداً ومسنداً إليه من حيث المعنى، وإن كان في ما يقدر مفرداً لأنه ينسبك من أن وما بعدها مصدر.
وقرأ السلمي وعبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع بالياء وكسر الراء فإن كان فاعل ) نُسَارِعُ ( ضمير يعود على ما بمعنى الذي، أو على المصدر المنسبك من ما نمد فنسارع خبر لأن ولا ضمير ولا حذف أي يسارع هو أي الذي يمد ويسارع، هو أي إمدادنا. وعن ابن أبي بكرة المذكور بالياء وفتح الراء مبنياً للمفعول. وقرأ الحر النحوي نسرع بالنون مضارع أسرع ) بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ( إضراب عن قوله ) أَيَحْسَبُونَ ( أي بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور فيتأملوا ويتفكروا أهو استدراج أم مسارعة في الخير وفيه تهديد ووعيد.
( إِنَّ الَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِئَايَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ راجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هَاذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مّن دُونِ ذالِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ لاَ تَجْئَرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ ءايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ ).
المؤمنون :( ٥٧ ) إن الذين هم.....
لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم، والإشفاق أبلغ التوقع والخوف ومنهم من حمل الخشية على العذاب والمعنى والذين هم من عذاب ) رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ ( وهو قول الكلبي ومقاتل و ) مّنْ خَشْيَةِ ( متعلق بمشفقون قاله الحوفي. وقال ابن عطية : و ) مِنْ ( في ) مّنْ خَشْيَةِ ( هي لبيان جنس الإشفاق، والإشفاق إنما هو من عذاب الله، والآيات تعم القرآن والعبر والمصنوعات التي لله وغير ذلك مما فيه نظر. وفي كل شيء له آية.
المؤمنون :( ٥٨ - ٥٩ ) والذين هم بآيات.....
ثم ذكر نفي الإشراك وهو عبادتهم آلهتهم التي هي