" صفحة رقم ٣٩٦ "
النكاح إن أريد به الوطء فالآية وردت مبالغة في تشنيع الزنا، وإن أريد به التزويج فإما أن يراد به عموم في الزناة ثم نسخ، أو عموم في الفساق الخبيثين لا يرغبون إلاّ فيمن هو شكل لهم، والفواسق الخبائث لا يرغبن إلاّ فيمن هو شكل لهن، ولا يجوز التزويج على ما قرره الزمخشري، أو يراد به خصوص في قوم كانوا في الجاهلية زناة ببغايا فأرادوا تزويجهن لفقرهم وإيسارهن مع بقائهن على البغاء فلا يتزوج عفيفة، ولو زنا رجل بامرأة ثم أراد تزويجها فأجاز ذلك أبو بكر الصديق وابن عمر وابن عباس وجابر وطاوس وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة ومالك والثوري والشافعي، ومنعه ابن مسعود والبراء ابن عازب وعائشة وقالا : لا يزالان زانيين ما اجتمعا، ومن غريب النقل أنه لو تزوج معروف بالزنا أو بغيره من الفسوق ثبت الخيار في البقاء معه أو فراقه وهو عيب من العيوب التي يترتب الخيار عليها، وذهب قوم إلى أن الآية محكمة، وعندهم أن من زنى من الزوجين فسد النكاح بينهما وقال قوم منهم لا ينفسخ ويؤمر بطلاقها إذا زنت فإن امسكها أثم قالوا لا تجوز التزويج بالزانية ولا من الزاني فإن ظهرت التوبة جاز.
وقال الزمخشري : فإن قلت : أي فرق بين معنى الجملة الأولى ومعنى الثانية ؟ قلت : معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر، ومعنى الثانية صفتها بكونها غير مرغوب فيها للأعّفاء ولكن للزناة، وهما معنيان مختلفان.
وعن عمرو بن عبيد ) لاَ يَنكِحُ ( بالجزم على النهي والمرفوع فيه معنى النهي ولكن هو أبلغ وآكد كما أن رحمك الله ويرحمك الله أبلغ من ليرحمك، ويجوز أن يكون خبراً محضاً على معنى إن عادتهم جارية على ذلك، وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها انتهى. وقرأ أبو البرهثيم ) وَحَرَّمَ ( مبنياً للفاعل أي الله، وزيد بن عليّ ) وَحَرَّمَ ( بضم الراء وفتح الحاء والجمهور ) وَحَرَّمَ ( مشدداً مبنياً للمفعول.
والقذف الرمي بالزنا وغيره، والمراد به هنا الزنا لاعتقابه إياه ولاشتراط أربعة شهداء وهو مما يخص القذف بالزنا إذ في غيره يكفي شاهدان. قال ابن جبير : ونزلت بسبب قصة الإفك. وقيل : بسبب القذفة عاماً، واستعير الرمي للشتم لأنه إذاية بالقول. كما قال :
وجرح اللسان كجرح اليد
وقال : رماني بأمر كنت منه ووالدي
بريئاً ومن أجل الطويّ رماني
النور :( ٤ ) والذين يرمون المحصنات.....
و ) الْمُحْصَنَاتِ ( الظاهر أن المراد النساء العفائف، وخص النساء بذلك وإن كان الرجال يشركونهن في الحكم لأن القذف فيهن أشنع وأنكر للنفوس، ومن حيث هن هوى الرجال ففيه إيذاء لهن ولأزواجهن وقراباتهن. وقيل : المعنى الفروج المحصنات كما قال :) وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ). وقيل : الأنفس المحصنات وقاله ابن حزم : وحكاه الزهراوي فعلى هذين القولين يكون اللفظ شاملاً للنساء وللرجال، ويدل على الثاني قوله ) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاء ( وثم محذوف أي بالزنا، وخرج بالمحصنات من ثبت زناها أو زناه، واستلزم الوصف بالإحصان الإسلام والعقل والبلوغ والحرية. قال أبو بكر الرازي : ولا نعلم خلافاً بين الفقهاء في هذا المعنى، والمراد بالمحصنات غير مزوجات الرامين أو لمن زوجه حكم يأتي بعد ذلك، والرمي بالزنا الموجب للحد هو التصريح بأن يقول : يا زانية، أو يا زاني، أو يا ابن الزاني وابن الزانية، يا ولد الزنا لست لأبيك لست لهذه وما أشبه ذلك من الصرائح، فلو عرض كأن يقول : ما أنا بزان ولا أمي بزانية لم يحد في مذهب أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد وابن شبرمة والثوري والحسن بن صالح والشافعي، ويحد في مذهب مالك، وثبت الحد فيه عن عمر بعد مشاورته الناس