" صفحة رقم ٤٠٥ "
الزبير وأشياعه. و ) الْغَافِلَاتِ ( السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولا يفطنّ لما يفطن له المجريات، كما قال الشاعر : ولقد لهوت بطفلة ميالة
بلهاء تطلعني على أسرارها
وكذلك البله من الرجال في قوله ( أكثر أهل الجنة البله ). ) لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ( في قذف المحصنات. قيل : هذا الاستثناء بالتوبة وفي هذه لم يجيء استثناء. وعن ابن عباس أن من خاض في حديث الإفك وتاب لم تقبل توبته، والصحيح أن الوعيد في هذه الآية مشروط بعدم التوبة، ولا فرق بين الكفر والفسق وأن من تاب غفر له. ويناسب أن تكون هذه الآية كما قيل نزلت في مشركي مكة، كانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها وقالوا : خرجت لتفجر قاله أبو حمزة اليماني، ويؤيده قوله ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ( وعن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن أُبَيّ كان يشك في الدين فإذا كان يوم القيامة علم حيث لا ينفعه.
النور :( ٢٤ ) يوم تشهد عليهم.....
والناصب ليوم تشهد ما تعلق به الجار والمجرور وهو ولهم. وقال الحوفي : العامل فيه عذاب، ولا يجوز لأنه موصوف إلاّ على رأي الكوفيين. وقرأ الأخوان والزعفراني وابن مقسم وابن سعدان يشهد بياء من تحت لأنه تأنيث مجازي، ووقع الفصل، وباقي السبعة بالتاء، ولما كان قلب الكافر لا يريد ما يشهد به أنطق الله الجوارح والألسنة والأيدي والأرجل بما عملوا في الدنيا وأقدرها على ذلك، وليست الحياة شرطاً لوجود الكلام. وقالت المعتزلة : يخلق في هذه الجوارح الكلام، وعندهم المتكلم فاعل الكلام فتكون تلك الشهادة من الله في الحقيقة إلاّ أنه تعالى أضافها إلى الجوارح توسعاً. وقالوا أيضاً : إنه تعالى ينشىء هذه الجوارح على خلاف ما هي عليه، ويلجئها أن تشهد على الإنسان وتخبر عنه بأعماله. قال القاضي : وهذا أقرب إلى الظاهر لأن ذلك يفيد أنها بفعل الشهادة.
النور :( ٢٥ ) يومئذ يوفيهم الله.....
وانتصب ) يَوْمَئِذٍ ( بيوفيهم، والتنوين في إذ عوض من الجملة المحذوفة، والتقدير يوم إذ تشهد. وقرأ زيد بن عليّ ) يُوَفّيهِمُ ( مخففاً والدين هنا الجزاء أي جزاء أعمالهم. وقال : ولم يبق سوى العد
وإن دناهم كما دانوا
ومنه : كما تدين تدان. وقرأ الجمهور ) الْحَقّ ( بالنصب صفة لدينهم. وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو روق وأبو حيوة بالرفع صفة لله، ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصول وصفته و ) يَعْلَمُونَ ( إلى آخره يقوي قول من قال : إن الآية في عبد الله بن أُبيّ لأن كل مؤمن يعلم ) أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ).
قال الزمخشري : ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك وما أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعذاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما نزل فيه على طرق مختلفة وأساليب متقنة كل واحد منها كاف في بابه، ولو لم ينزل إلاّ هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعاً وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة وأن ) أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ( تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا به، وأنه ) يُوَفّيهِمُ ( جزاء الحق الذي هم أهله حتى يعلموا عند الله ) أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلاّ ما هو دونه في الفظاعة انتهى. وهو كلام حسن. ثم قال بعد كلام فإن قلت : ما معنى قوله ) هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( ؟ قلت : معناه ذو الحق المبين العادل الذي لا ظلم في حكمه، والمحق الذي لا يوصف بباطل، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء ولا إحسان محسن، فحق مثله أن يتقى وتجتنب محارمه انتهى. وفي قوله لم تسقط عنده إساءة مسيء دسيسة الاعتزال.
النور :( ٢٦ ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون.....
والظاهر أن ) الْخَبِيثَاتُ ( وصف للنساء، وكذلك ) الطَّيّبَاتِ ( أي النساء الخبيثات للرجال ) الخبيثين ( ويرجحه مقابلته بالذكور فالمعنى أن ) الْمُبِينُ الْخَبِيثَاتُ ( من النساء ينزعن للخباث من الرجال، فيكون قريباً من قوله ) الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً (