" صفحة رقم ٤٢٠ "
وأبو عمرو ) توقد ( بفتح الأربعة فعلاً ماضياً أي ) مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ ). والحسن والسلمي وقتادة وابن محيصن وسلام ومجاهد وابن أبي إسحاق والمفضل عن عاصم كذلك إلاّ أنه بضم الدال مضارع ) توقد ( وأصله تتوقد أي ) زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ ). وقرأ عبد الله وقد بغير تاء وشدد القاف جعله فعلاً ماضياً أي وقد المصباح. وقرأ السلمي وقتادة وسلام أيضاً كذلك إلاّ أنه بالياء من تحت. وجاء كذلك عن الحسن وابن محيصن، وأصله يتوقد أي ) الْمِصْبَاحُ ( إلاّ أن حذف الياء في يتوقد مقيس لدلالة ما أبقى على ما حذف. وفي ) يُوقَدُ ( شاذ جدّاً لأن الياء الباقية لا تدل على التاء المحذوفة، وله وجه من القياس وهو حمله على يعد إذ حمل يعد وتعد وأعد في حذف الواو كذلك هذ لما حذفوا من تتوقد بالتاءين حذفوا التاء مع الياء وإن لم يكن اجتماع التاء والياء مستثقلاً.
( مِن شَجَرَةٍ ( أي من زيت شجرة، وهي شجرة الزيتون. ) مُّبَارَكَةٍ ( كثيرة المنافع أو لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين. وقيل : بارك فيها للعالمين. وقيل : بارك فيها سبعون نبياً منهم إبراهيم عليه السلام، والزيتون من أعظم الشجر ثمراً ونماء واطراد أفنان ونضارة أفنان. وقال أبو طالب : بورك الميت الغريب كما
بورك نضر الرمان والزيتون
) لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ). قال ابن زيد : هي من شجر الشام فهي ليست من شرق الأرض ولا من غربها، لأن شجر الشام أفضل الشجر. وقال ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم : هي في منكشف من الأرض تصيبها الشمس طول النهار تستدير عليها، فليست خالصة للشرق فتسمى ) شَرْقِيَّةٍ (، ولا للغرب فتسمى ) غَرْبِيَّةٍ ( وقال الحسن : هذا مثل وليست من شجر الدنيا إذ لو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية. وعن ابن عباس : أنها في درجة أحاطت بها فليست منكشفة لا من جهة الشرق ولا من جهة الغرب، وهذا لا يصح عن ابن عباس لأنها إذا كانت بهذه الصفة فسد جناها. وقال ابن عطية : إنها في وسط الشجر لا تصيبها الشمس طالعة ولا غاربة، بل تصيبها بالغداة والعشي. وقال عكرمة : هي من شجر الجنة. وقال ابن عمر : الشجرة مثل أي إنها ملة إبراهيم ليست بيهودية ولا نصرانية. وقيل : ملة الإسلام ليست بشديدة ولا لينة. وقيل : لا مضحى ولا مفيأة، ولكن الشمس والظل يتعاقبان عليها، وذلك أجود لحملها وأصفى لدهنها.
و ) زَيْتُونَةٍ ( بدل من ) شَجَرَةٍ ( وجوز بعضهم فيه أن يكون عطف بيان، ولا يجوز على مذهب البصريين لأن عطف البيان عندهم لا يكون إلاّ في المعارف، وأجاز الكوفيون وتبعهم الفارسي أنه يكون في النكرات. و ) لاَّ شَرْقِيَّةٍ ( ) وَلاَ ( على ) غَرْبِيَّةٍ ( على قراءة الجمهور بالخفض صفة لزيتونة. وقرأ الضحاك بالرفع أي لا هي شرقية ولا غربية، والجملة في موضع الصفة.
( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ( مبالغة في صفاء الزيت وأنه لإشراقه وجودته يكاد يضيء من غير نار. والجملة من قوله ) وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ( حالية معطوفة على حال محذوفة أي ) يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء ( في كل حال ولو في هذه الحال التي تقتضي أنه لا يضيء لانتفاء مس النار له، وتقدم لنا أن هذا العطف إنما يأتي مرتباً لما كان لا ينبغي أن يقع لامتناع الترتيب في العادة وللاستقصاء حتى يدخل ما لا يقدر دخوله فيما قبله نحو :( أعطوا السائل ولو جاء على فرس، ردوا السائل ولو بظلف محرق ). وقرأ الجمهور :) تَمْسَسْهُ ( بالتاء وابن عباس والحسن بالياء من تحت، وحسنه الفصل وأن تأنيث النار مجازي وهو مؤنث بغير علامة.
( نُّورٌ عَلَى نُورٍ ( أي متضاعف تعاون عليه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، فلم يبق مما يقوى النور ويزيده إشراقاً شيء لأن المصباح إذا كان في مكان ضيق كان أجمع لنوره بخلاف المكان المتسع، فإنه ينشر النور، والقنديل أعون شيء على زيادة النور وكذلك الزيت وصفاؤه، وهنا تم المثال.
ثم قال ) يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء ( أي لهداه والإيمان من يشاء هدايته ويصطفيه لها. ومن فسر ) النُّورُ ( في ) مَثَلُ نُورِهِ (


الصفحة التالية
Icon