" صفحة رقم ٤٤١ "
والتسوية فقدره وهيأه لما يصلح له، أو سمي إحداث الله خلقاً لأنه لا يحدث شيئاً لحكمته إلاّ على وجه التقدير من غير تفاوت. فإذا قيل : خلق الله كذا فهو بمنزلة إحداث الله وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل : وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده متفاوتاً. وقيل : فجعل له غاية ومنتهى، ومعناه ) فَقَدَّرَهُ ( للبقاء إلى أمد معلوم. وقال ابن عطية : تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والاتقان انتهى.
الفرقان :( ٣ ) واتخذوا من دونه.....
( وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً ( الضمير في ) وَاتَّخَذُواْ ( عائد على ما يفهم من سياق الكلام لأن في قوله ) وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ ( دلالة على ذلك لم ينف إلاّ وقد قيل به. وقال الكرماني : الواو ضمير للكفار وهم مندرجون في قوله ) لّلْعَالَمِينَ ). وقيل : لفظ ) نَذِيراً ( ينبىء عنهم لأنهم المنذرون ويندرج في ) وَاتَّخَذُواْ ( كل من ادعى إلهاً غير الله، ولا يختص ذلك بعباد الأوثان وعباد الكواكب. وقال القاضي : يبعد أن يدخل فيه النصارى لأنهم لم يتخذوا من دون الله آلهة على الجمع. والأقرب أن المراد به عبَدة الأصنام، ويجوز أن يدخل فيه من عبد الملائكة لأن لعبادها كثرة انتهى. ولا يلزم ما قال لأن ) وَاتَّخَذُواْ ( جمع و ) ءالِهَةً ( جمع، وإذا قوبل الجمع بالجمع تقابل الفرد بالفرد، ولا يلزم أن يقابل الجمع بالجمع فيندرج معبود النصارى في لفظ ) ءالِهَةً ).
ثم وصف الآلهة بانتفاء إنشائهم شيئاً من الأشياء إشارة إلى انتفاء القدرة بالكلية، ثم بأنهم مخلوقون لله ذاتاً أو مصنوعون بالنحت والتصوير على شكل مخصوص، وهذا أبلغ في الخساسة ونسبة الخلق للبشر تجوز. ومنه قول زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض
القوم يخلق ثم لا يفري
وقال الزمخشري : الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله ) وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ( والمعنى أنهم آثروا على عبادته عبادة آلهة لا عجز أبَيْنَ من عجزهم، لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئاً وهم يفتعلون لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير ) وَلاَ يَمْلِكُونَ لاِنفُسِهِمْ ( دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها، وهم يستطيعون وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع الذي يقدر عليه العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلاّ الله أعجز.
الفرقان :( ٤ ) وقال الذين كفروا.....
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ). قال ابن عباس : هو النضر بن الحارث وأتباعه، والإفك أسوأ لكذب. ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ (، قال مجاهد : قوم من اليهود ألقوا أخبار الأمم إليه. وقيل : عداس مولى حويطب بن عبد العزّى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤون التوراة أسلموا وكان الرسول يتعهدهم. وقال ابن عباس : أشاروا إلى قوم عبيد كانوا للعرب من الفرس أبو فكيهة مولى الحضرميين. وجبر ويسار وعداس وغيرهم. وقال الضحاك : عنوا أبا فكيهة الرومي. وقال المبرد : عنوا بقوم آخرين المؤمنين لأن آخر لا يكون إلاّ من جنس الأول انتهى. وما قاله لا يلزم للاشتراك في جنس الإنسان، ولا يلزم الاشتراك في الوصف. ألا ترى إلى قوله ) فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ( فقد اشتركتا في مطلق الفئة، واختلفتا في الوصف.
والظاهر أن الضمير في ) فَقَدْ ( عائد على ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( والمعنى أن هؤلاء الكفار وردوا ظلماً كما تقول : جئت المكان فيكون جاء متعدياً بنفسه قاله الكسائي، ويجوز أن يحذف الجار أي بظلم وزور ويصل الفعل بنفسه. وقال الزجاج : إذا جاء يستعمل بهذين الاستعمالين وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب، والزور إن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه. وقيل : الضمير عائد على قوم آخرين وهو من كلام الكفار،
الفرقان :( ٥ ) وقالوا أساطير الأولين.....
والضمير في ) وَقَالُواْ ( للكفار وتقدم الكلام على ) أَسَاطِيرُ الاْوَّلِينَ ( ) اكْتَتَبَهَا ( أي جمعها من قولهم كتب الشيء أي جمعه أو من الكتابة أي كتبها بيده، فيكون ذلك من جملة كذبهم عليه وهم يعلمون أنه لا يكتب ويكون كاستكب الماء واصطبه أي سكبه وصبه. ويكون لفظ افتعل مشعراً بالتكلف والاعتمال أو بمعنى