" صفحة رقم ٤٥٠ "
بعدما احتج عليهم بسائر الرسل يقول : جرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض. والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف وأنواع أذاهم، وطلب منهم الصبر الجميل ونحوه ) وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً ( الآية وموقع ) أَتَصْبِرُونَ ( بعد ذكر الفتنة موقع ) أَيُّكُمْ ( بعد الابتلاء في قوله ) لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ).
) بَصِيراً ( عالماً بالصواب فيما يبتلى به وبغيره فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليهم سعادة، وفوزك في الدارين. وقيل : هو تسلية عما عيروه به من الفقر حين قالوا ) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ( وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء لينظر هل تصبرون وأنها حكمته ومشيئته يغني من يشاء ويفقر من يشاء. وقيل : جعلنا فتنة لهم لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا، وإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك منهم خالصة لوجه الله من غير طمع دينوي. وقيل : كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب وبلال وفلان وفلان فرفعوا علينا إدلالاً بالسابقة فهو افتتان بعضهم ببعض انتهى. وفيه تكثير وهذا القول الأخير قول الكلبي والفراء والزجاج. والأولى أن قوله ) وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ( يشمل معاني هذه الألفاظ كلها لأن بين الجميع قدراً مشتركاً. وقيل : في قوله ) أَتَصْبِرُونَ ( أنه استفهام بمعنى الأمر أي اصبروا،
الفرقان :( ٢١ ) وقال الذين لا.....
والظاهر حمل الرجاء على المشهور من استعماله والمعنى لا يأملون لقاءنا بالخير وثوابنا على الطاعة لتكذيبهم بالبعث لكفرهم بما جئت به. وقال أبو عبيدة وقوم : معناه لا يخافون. وقال الفراء : لا يرجون نشوراً لا يخافون، وهذه الكلمة تهامية وهي أيضاً من لغة هذيل إذا كان مع الرجاء جحد ذهبوا به إلى معنى الخوف. فتقول : فلان لا يرجو ربه يريدون لا يخاف ربه، ومن ذلك ) مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ( أي لا تخافون لله عظمة وإذا قالوا : فلان يرجو ربه فهذا معنى الرجاء لا على الخوف. وقال الشاعر : إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وحالفها في بيت نوب عوامل وقال آخر :
لا ترجى حين تلاقي الذائذا
أسبعة لاقت معاً أم واحداً
انتهى. ومن لازم الرجاء للثواب الخوف من العقاب، ومن كان مكذباً بالبعث لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً ومن تأول لم يرج لسعها على معنى لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها. فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله فتأويله ممكن لكن الفراء وغيره نقلوا ذلك لغة لهذيل في النفي والشاعر هذلي، فينبغي أن لا يتكلف للتأويل وأن يحمل على لغته.
( لَوْ لا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَئِكَةُ ( فتخبرنا أنك رسول حقاً ) أَوْ نَرَى رَبَّنَا ( فيخبرنا بذلك قاله ابن جريج وغيره. وهذه كما قالت اليهود ) لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ( وكقولهم أعني المشركين ) أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ قَبِيلاً ( وهذا كله في سبيل التعنت، وإلاّ فما جاءهم به من المعجزات كاف لو وفقوا. ) لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ ( أي تكبروا ) فِى أَنفُسِهِمْ ( أي عظموا أنفسهم بسؤال رؤية الله، وهم ليسوا بأهل لها. والمعنى أن سؤال ذلك إنما هو لما أضمروا في أنفسهم من الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد الكامن في قلوبهم الظاهر عنه ما لا يقع لهم كما قال ) إِن


الصفحة التالية
Icon