" صفحة رقم ٤٦٦ "
العالم بحقائقها، وقال ابن عطية : و ( خبيرا ) على هذا منصوب، إما بوقوع السؤال، وإما على الحال المؤكدة، كما قال ( وهو الحق مصدقا )، وليس هذه الحال منتقلة إذ الصفة العلية لا تتغير انتهى. وبنى هذا الإعراب على أنه كما تقول لو لقيت فلانا للقيت به البحر كرما، أي : لقيت منه والمعنى فاسأل الله عن كل أمر، وكونه منصوبا على الحال المؤكدة على هذا التقدير لا يصح، إنما يصح أن يكون مفعولا به، ويجوز أن تكون الباء بمعنى عن أي فاسأل عنه خبيرا كما قال الشاعر : فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
وهو قول الأخفش والزجاج ويكون ( خبيرا ) ليس من صفات الله هنا، كأنه قيل اسأل عن الرحمن الخبراء جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة، وإن جعلت به متعلقا بخبيرا كان المعنى فسأل عن الله الخبراء به، وقال الكلبي معناه فاسأل خبيرا به وبه يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش، وذلك الخبير هو الله تعالى، لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق ذلك فلا يعلمها إلا الله، وعن ابن عباس : الخبير جبريل وقدم لرؤوس الآي، وقال الزمخشري : الباء في به صلة سل كقوله ) سأل سائل بعذاب ( [ المعارج : ١ ] كما يكون عن صلته في نحو :) لتسألن يومئذ عن النعيم ( [ التكاثر : ٨ ] أو صلة ( خبيرا به ) فتجعل خبيرا مفعولا أي فسل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته، أو فسل رجلا خبيرا به وبرحمته، أو فسل بسؤاله خبيرا، كقولك رأيت به أسدا، أي رأيت برؤيته، والمعنى : إن سألته وجدته خبيرا بجعله حالا عن به تريد فسل عنه عالما بكل شيء، وقيل : الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه، فقيل : فسل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره، ومن ثم كانوا يقولون : ما نعرف الرحمن إلا الذي في اليمامة يعنون ' مسيلمة '، وكان يقال له رحمن اليمامة انتهى.
الفرقان :( ٦٠ ) وإذا قيل لهم.....
( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ( وكانت قريش لا تعرف هذا في أسماء الله، غالطت قريش بذلك فقالت : إن محمدا يأمرنا بعبادة رحمن اليمامة نزلت ( وإذا قيل لهم )، و ( ما ) سؤال عن المجهول فيجوز أن يكون سؤالا عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم، ويجوز أن يكون سؤالا عن معناه لأنه لم يكن مستعملا كفي كلامهم، كما يستعمل الرحيم والرحوم والراحم، أو لأنهم أنكروا إطلاقا على الله قاله الزمخشري، والذي يظهر أنهم لما قيل لهم اسجدوا للرحمن فذكرت الصفة المقتضية للمبالغة في الرحمة والكلمة عربية لا ينكر وضعها أظهروا التجاهل بهذه الصفة التي لله مغالطة منهم ووقاحة، فقالوا وما الرحمن، وهم عارفون به وبصفته الرحمانية، وهذا كما قال فرعون :) وما رب العالمين ( [ الشعراء : ٢٣ ] حين قال له موسى :) إني رسول من رب العالمين ( [ الأعراف : ١٠٤ ] على سبيل المناكرة وهو عالم برب العالمين، كما قال موسى ) لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ( [ الإسراء : ١٠٢ ]، فكذلك كفار قريش استفهموا عن الرحمن استفهام من يجهله وهم عالمون به، فعلى قول من قال لم يكونوا يعرفون الرحمن إلا مسيلمة، وعلى قول من قال من لا يعرفون الرحمن إلا مسيلمة، فالمعنى أنسجد لمسيلمة ؟ وعلى قول من قال من لا يعرفون الرحمن بالكلية فالمعنى أنسجد لما تأمرنا من غير علم ببيانه، والقائل اسجدوا : الرسول أو الله على لسان رسله، وقرأ ابن مسعود، الأسود بن يزيد، وحمزة، والكسائي ( يأمر ) بالياء من تحت أي يأمرنا محمد والكناية عنه أو المسمى الرحمن ولا نعرفه، وقرأ باقي السبعة بالتاء خطابا بالرسول ومفعول ( تأمرنا ) الثاني محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره يأمرنا سجوده نحو قولهم ' أمرتك الخير ' وزادهم أي هذا القول وهو الأمر بالسجود للرحمن زادهم ضلال يختص به مع ضلالهم السابق، وكان حقه أن يكون باعثا على فعل السجود والقبول، وقال الضحاك : سجد أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعثمان بن مظعون، وعمرو بن غلسة، فرآهم المشركون


الصفحة التالية
Icon