" صفحة رقم ٩٦ "
والقواس عن ابن كثير بالرفع على الفاعلية والنصب أبلغ في المعنى وأقوى، و ) ءانٍ ( نافية أي ما ) يَقُولُونَ ( و ) كَذِبًا ( نعت لمصدر محذوف أي قولاً ) كَذِبًا ).
الكهف :( ٦ ) فلعلك باخع نفسك.....
( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ ( لعل للترجي في المحبوب وللإشفاق في المحذور. وقال العسكري : فيها هنا هي موضوعة موضع النهي يعني أن المعنى لا تبخع نفسك. وقيل : وضعت موضع الاستفهام تقديره هل أنت ) بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ( ؟ وقال ابن عطية : تقرير وتوقيف بمعنى الإنكار عليه أي لا تكن كذلك. وقال الزمخشري : شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على توليهم برجل فارقته أحبته وأعزته، فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم وتلهفاً على فراقهم انتهى. وتكون لعل للإستفهام قول كوفي، والذي يظهر أنها للإشفاق أشفق أن يبخع الرسول ( ﷺ ) ) نفسه لكونهم لم يؤمنوا.
وقوله ) عَلَىءاثَارِهِمْ ( استعارة فصيحة من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان وإعراض عن الشرع، فكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا فهو في إدبارهم يحزن عليهم، ومعنى ) عَلَىءاثَارِهِمْ ( من بعدهم أي بعد يأسك من إيمانهم أو بعد موتهم على الكفر. ويقال : مات فلان على أثر فلان أي بعده، وقرىء ) بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ( بالإضافة. وقرأ الجمهور :) بَاخِعٌ ( بالتنوين ) نَّفْسَكَ ( بالنصب. قال الزمخشري : على الأصل يعني إن اسم الفاعل إذا استوفي شروط العلم فالأصل أن يعمل، وقد أشار إلى ذلك سيبويه في كتابه. وقال الكسائي : العمل والإضافة سواء، وقد ذهبنا إلى أن الإضافة أحسن من العمل بما قررناه في ما وضعنا في علم النحو. وقرىء :) إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ ( بكسر الميم وفتحها فمن كسر. فقال الزمخشري : هو يعني اسم الفاعل للإستقبال، ومن فتح فللمضي يعني حالة الإضافة، أي لأن ) لَمْ يُؤْمِنُواْ ( والإشارة بهذا الحديث إلى القرآن. قال تعالى ) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ).
و ) أَسَفاً ( قال مجاهد : جزعاً. وقال قتادة : غضباً وعنه أيضاً حزناً. وقال السدّي : ندماً وتحسراً. وقال الزجاج : الأسف المبالغة في الحزن والغضب. وقال منذر بن سعيد : الأسف هنا الحزن لأنه على من لا يملك ولا هو تحت يد الآسف، ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه كان غضباً كقوله تعالى ) فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ( أي أغضبونا. قال ابن عطية : وإذا تأملت هذا في كلام العرب اطرد انتهى. وانتصاب ) أَسَفاً ( على أنه مفعول من أجله أو على أنه مصدر في موضع الحال،
الكهف :( ٧ ) إنا جعلنا ما.....
وارتباط قوله ) إِنَّا جَعَلْنَا ( الآية بما قبلها هو على سبيل التسلية للرسول ( ﷺ ) ) لأنه تعالى أخبر أنه خلق ما على الأرض من الزينة للإبتلاء والاختبار أي الناس ) أَحْسَنُ عَمَلاً ( فليسوا على نمط واحد في الاستقامة واتباع الرسل، بل لا بد أن يكون فيهم من هو أحسن عملاً ومن هو أسوأ عملاً، فلا تغتم وتحزن على من فضلت عليه بأنه يكون أسوأ عملاً ومع كونهم يكفرون بي لا أقطع عنهم موادّ هذه النعم التي خلقتها.
و ) جَعَلْنَا ( هنا بمعنى خلقنا، والظاهر أن ما يراد بها غير العامل وأنه يراد به العموم فيما لا يعقل. و ) زِينَةُ ( كل شيء بحسبه. وقيل : لا يدخل في ذلك ما كان فيه إيذاء من حيوان وحجر ونبات لأنه لا زينة فيه، ومن قال بالعموم قال فيه ) زِينَةُ ( من جهة خلقه وصنعته وإحكامه. وقيل : المراد بما هنا خصوص ما لا بعقل. فقيل : الأشجار والأنهار. وقيل : النبات لما فيه من الاختلاف والأزهار. وقيل : الحيوان المختلف الأشكال والمنافع والأفعال. وقيل : الذهب والفضة والنحاس والرصاص والياقوت والزبرجد والجوهر والمرجان وما يجري مجرى ذلك من نقائس الأحجار.
وقال الزمخشري :) مَا عَلَى الاْرْضِ ( يعني ما يصلح أن يكون ) زِينَةً لَّهَا ( ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها. وقالت : فرقة أراد النعيم والملابس والثمار والخضرة والمياه. وقيل :) مَا ( هنا لمن يعقل، فعن مجاهد هو الرجال وقاله ابن جبير عن ابن عباس وروى عكرمة أن الزينة الخلفاء والعلماء والأمراء. وانتصب ) زِينَةُ ( على الحال أو على المفعول من أجله إن كان ) جَعَلْنَا ( بمعنى خلقنا، وأوجدنا، وإن كانت بمعنى صيرنا فانتصب على أنه مفعول ثان.
واللام من ) لِنَبْلُوَهُمْ ( تتعلق بجعلنا، والابتلاء الاختبار وهو متأوّل بالنسبة إلى الله


الصفحة التالية
Icon