" صفحة رقم ١١٢ "
كانت مصدرية، تتقدر بالمفرد، والمفرد لا يكون خبراً لضمير الشأن، فتخريج هذه القراءة على أن تكون إن تفسيرية، وإن معمول لمضمر تقديره : إني يا موسى أعلم إني أنا الله.
وجاء في طه :) نُودِىَ يامُوسَى مُوسَى إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ (، وفي النمل :) نُودِىَ أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ (، وهنا :) نُودِىَ مِن شَاطِىء (، ولا منافاة، إذ حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء. والجمهور : على أنه تعالى كلمه في هذا المقام من غير واسطة. وقال الحسن : ناداه نداء الوحي، لا نداء الكلام. وتقدم الكلام على نظير قوله :) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ (، ثم أمره فقال :) اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ (، وهو فتح الجبة من حيث تخرج الرأس، وكان كم الجبة في غاية الضيق. وتقدّم الكلام على :) تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء ( وفسر الجناح هنا باليد وبالعضد وبالعطاف، وبما أسفل من العضد إلى الرسغ، وبجيب مدرعته. والرهب : الخوف، وتأتي القراءات فيه. وقيل : بفتح الراء والهاء : الكم، بلغة بني حنيفة وحمير، وسمع الأصمعي قائلاً يقول : اعطني ما في رهبك، أي في كمك، والظاهر حمل :) وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ( على الحقيقة.
قال الثوري : خاف موسى أن يكون حدث به سوء، فأمره تعالى أن يعيد يده إلى جيبه لتعود على حالتها الأولى، فيعلم موسى أنه لم يكن سوءاً بل آية من الله. وقال مجاهد، وابن زيد : أمره بضم عضده وذراعه، وهو الجناح، إلى جنبه، ليخف بذلك فزعه. ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في وقت فزعه أن يقوي قلبه. وقيل : لما انقلبت العصا حية، فزع موسى واضطرب، فاتقاها بيده، كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له : أدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء لتظهر معجزة أخرى، وهذا القول بسطه الزمخشري، لأنه كالتكرار لقوله :) اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ ). وقد قال هو والجناح هنا اليد، قال : لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى، فقد ضم جناحه إليه. وقيل : المعنى إذا هالك أمر لما يغلب من شعاعها، فاضممها إليك تسكن. وقالت فرقة : هو مجاز أمره بالعزم على ما أمره به، كما تقول العرب : أشدد حيازيمك واربط جأشك، أي شمر في أمرك ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه وفزعه في غير موطن، قاله أبو علي، وكأنه طيره الفزع، وآلة الطيران الجناح. فقيل له : اسكن ولا تخف، وضم منشور جناحك من الخوف إليك، وذكر هذا القول الزمخشري، فقال والثاني أن يراد بضم جناحه إليه : تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حية، حتى لا يضطرب ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما، وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران. ومعنى ) مِنَ الرَّهْبِ ( : من أجل الرهب، أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية، فاضمم إليك جناحك. جعل الرهب الذي كان يصيبه سبباً وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه. ومعنى :) وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ (، وقوله :) اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ ( على أحد التفسيرين واحد، ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء، وفي الثاني إخفاء الرهب. فإن قلت : قد جعل الجناح، وهو اليد، في أحد الموضعين مضموماً وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله :) وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ (، ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ (، فما التوفيق بينهما ؟ قلت : المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه اليد اليسرى، وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح. ومن بدع التفاسير أن الرهب : الكم، بلغة حمير، وأنهم يقولون : اعطني ما في رهبك ؛ وليت شعري ؛ كيف صحته في اللغة ؟ وهل سمع من الأثبات الثقات التي ترضي عربيتهم ؟ ثم ليت شعري : كيف موقعه في الآية ؟ وكيف يعطيه الفصل كسائر كلمات التنزيل ؟ على أن موسى، صلوات الله عليه، ما كان عليه ليلة المناجاة إلاّ زرماتقة من صوف، لا كمين لها. انتهى. أما قوله : وهل سمع من الأثبات ؟ وهذا مروي عن الأصمعي، وهو ثقة ثبت. وأما قوله : كيف موقعه من الآية ؟ فقالوا : معناه أخرج يدك من كمك، وكان قد أخذ العصا بالكم. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو : من الرهب، بفتح الراء والهاء ؛ وحفص : بفتح الراء