" صفحة رقم ١١٤ "
) فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِئَايَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِىءابَائِنَا الاْوَّلِينَ وَقَالَ مُوسَى رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَقَالَ ).
) بِئَايَاتِنَا ( : هي العصا واليد. ) بَيّنَاتٍ ( : أي واضحات الدلالة على صدقه، وأنه أمر خارق معجز، كفوا عن مقاومته ومعارضته، فرجعوا إلى البهت والكذب، ونسبوه إلى أنه سحر، لأنهم يرون الشيء على حالة، ثم يرونه على حالة أخرى، ثم يعود إلى الحالة الأولى، فزعموا أنه سحر يفتعله موسى ويفتريه على الله، فليس بمعجز. ثم مع دعواهم أنه سحر مفترى، وكذبهم في ذلك، أرادوا في الكذب أنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم، أي في زمان آبائهم وأيامهم. وفي آبائنا : حال، أي بهذا، أي بمثل هذا كائناً في أيام آبائنا. وإذا نفوا السماع لمثل هذا في الزمان السابق، ثبت أن ما ادّعاه موسى هو بدع لم يسبق إلى مثله، فدل على أنه مفترى على الله، وقد كذبوا في ذلك، وطرق سمعهم أخبار الرسل السابقين موسى في الزمان. ألا ترى إلى قول مؤمن من آل فرعون :) وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيّنَاتِ ( ؟
ولما رأى موسى ما قابلوه به من كون ما أتى به سحراً، وانتفاء سماع مثله في الزمان السابق، ( قَالَ مُوسَى رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ (، حيث أهله للرسالة، وبعثه بالهدى، ووعده حسن العقبي، ويعني بذلك نفسه، ولو كان كما يزعمون لم يرسله. ثم نبه على العلة الموجبة لعدم الفلاح، وهي الظلم. وضع الشيء غير موضعه، حيث دعوا إلى الإيمان بالله، وأتوا بالمعجزات، فادعوا الإلهية، ونسبوا ذلك المعجز إلى السحر. وعاقبة الدار، وإن كانت تصلح للمحمودة والمذمومة، فقد كثر استعمالها في المحمودة، فإن لم تقيد، حملت عليها. ألاترى إلى قوله :) أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتِ عَدْنٍ ( ؟ وقال :) وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ( وقرأ ابن كثير : قال موسى، بغير واو ؛ وباقي السبعة : بالواو. ومناسبة قراءة الجمهور أنه لما جاءهم بالبينات قالوا : كيت وكيت، وقال موسى : كيت وكيت ؛ فيتميز الناظر فصل ما بين القولين وفساد أحدهما، إذ قد تقابلا، فيعلم يقيناً أن قول موسى هو الحق والهدى. ومناسبة قراءة ابن كثير، أنه موضع قراءة لما قالوا : كيت وكيت، قال موسى : كيت وكيت. ونفى فرعون علمه بإله غيره للملأ، ويريد بذلك نفي وجوده، أي ما لكم من إله غيري. ويجوز أن يكون غير معلوم عنده إله لهم، ولكنه مظنون، فيكون النفي على ظاهره، ويدل على ذلك قوله :) وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (، وهو الكاذب في انتفاء علمه بإله غيره. ألا ترى إلى قوله حالة غرقه :) وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْراءيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا إِسْراءيلَ ( ؟ واستمر