" صفحة رقم ١٢٨ "
إن تلاق منفساً لا تلقنا
فرح الخير ولا نكبوا الضر
وقرىء : الفارحين، حكاه عيسى بن سليمان الحجازى. و ) لاَ يُحِبُّ ( : صفة فعل، لا صفة ذات، بمعنى الإرادة، لأن الفرح أمر قد وقع، فالمعنى : لا يظهر عليهم بركته، ولا يعمهم رحمته. ولما نهوه عن الفرح المطغى، أمروه بأن يطلب، فيما آتاه الله من الكنوز وسعة الرزق، ثواب الدار الآخرة، بأن يفعل فيه أفعال البر، وتجعله زادك إلى الآخرة. ) وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (، قال ابن عباس، والجمهور : معناه : ولا تضيع عمرك في أن لا تعمل صالحاً في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها، وهذا التأويل فيه عظة. وقال الحسن، وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من الدنيا في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك، وفي هذا التأويل بعض رفق. وقال الحسن : معناه : قدم الفضل وأمسك ما تبلغ به. وقال مالك : هو الأكل والشرب بلا سرف. وقيل : أرادوا بنصيبه الكفن، وهذا وعظ متصل، كأنهم قالوا : تترك جميع مالك، لا يكون نصيبك منه إلا الكفن ؛ كما قال الشاعر : نصيبك مما تجمع الدهر كله
رداءان تأوي فيهما وحنوط
وقال الزمخشري : أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك، وهذا قريب من قول الحسن :) وَأَحْسَنُ ( إلى عباد الله، أو يكرك وطاعتك لله. ) كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ( بتلك النعم التي خولكها، والكاف للتشبيه، وهو يكون في بعض الأوصاف، لأن مماثلة إحسان العبد لإحسان الله من جميع الصفات يمتنع أن تكون، فالتشبيه وقع في مطلق الإحسان، أو تكون الكاف للتعليل، أي أحسن لأجل إحسان الله إليك. ) وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ ( : أي ما أنت عليه من البغي والظلم. ) عَلَى عِلْمٍ (، علم : مصدر، يحتمل أن يكون مضافاً إليه ومضافاً إلى الله. فقال الجمهور : ادّعى أن عنده علماً استوجب به أن يكون صاحب تلك الكنوز. فقيل : علم التوراة وحفظها، وكان أحد السبعين الذين اختارهم موسى للميقات، وكانت هذه مغالطة. وقال أبو سليمان الداني : أي علم التجارة ووجوه المكاسب، أي أوتيته بإدراكي وسعيي. وقال ابن المسيب : علم الكيمياء، قال ابن المسيب : وكان موسى عليه السلام يعلم الكيمياء، وهي جعل الرصاص والنحاس ذهباً. وعن ابن عباس : على علم الصنعة الذهب، ولعل ذلك لا يصح عنه ولا عن ابن المسيب. وأنكر الزجاج علم الكيمياء وقال : باطل لا حقيقة له. انتهى.
وكثيراً ما تولع أهل مصر بطلب أشياء من المستحيلات والخرافات ؛ من ذلك : تغوير الماء، وخدمة الصور الممثلة في الجدر خطوطاً، وادعائهم أن تلك الخطوط تتحرك إذا خدمت بأنواع من الخدم لهم، والكيمياء ؛ حتى أن مشايخ العلم عندهم، الذين هم عندهم بصورة الولاية، يتطلب ذلك من أجهل وارد من المغاربة. وقال ابن زيد وغيره :


الصفحة التالية
Icon