" صفحة رقم ١٧٢ "
يعم الناس، ( لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ (، المرد : مصدر رد، ومن الله : يحتمل أن يتعلق بيأتي، أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد حتى لا يأتي لقوله :) فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا (، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف يدل عليه مرد، أي لا يرده هو بعد أن يجيء به، ولا رد له من جهته. ) يَوْمَئِذٍ ( : أي يوم إذ يأتي ذلك اليوم. ) يَصَّدَّعُونَ ( : يتفرقون، فريق في الجنة، وفريق في السعير. يقال : تصدع القوم إذا تفرقوا، ومنه الصداع، لأنه يفرق شعب الرأس، وقال الشاعر : وكنا كندماني جذيمة حقبة
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
ثم ذكر حالتي المتفرقين :) مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ( : أي جزاء كفره، وعبر عن حالة الكافر بعليه، وهي تدل على الفعل والمشقة، وعن حال المؤمن بقوله :) فَلاِنفُسِهِمْ (، باللام التي هي لام الملك. و ) يَمْهَدُونَ ( : يوطئون، وهي استعارة من الفرش، وعبارة عن كونهم يفعلون في الدنيا ما يلقون به، ما تقر به أعينهم وتسر به أنفسهم في الجنة. وقال مجاهد : هو التمهيد للقبر. وقال الزمخشري : وتقديم الظرف في الموضعين لدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعداه، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه. انتهى. وهو على طريقته في دعواه أن تقديم المفعول وما جرى مجراه يدل على الاختصاص، وأما على مذهبنا فيدل على الاهتام، وأما ما يدعيه من الاختصاص فمفهوم من آي كثيرة في القرآن منها :) وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ). واللام في ) لِيَجْزِىَ (، قال الزمخشري : متعلق بيمهدون، تعليل له وتكرير ) الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ (، وترك الضمير إلى الصريح لتقديره أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح. وقوله :) أَن لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (، تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس. وقال ابن عطية : ليجزي متعلق بيصدعون، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره ذلك ليجزي، وتكون الإشارة إلى ما تقرر من قوله تعالى :) مَن كَفَرَ (، ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً ). انتهى. ويكون قسم ) الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ( على هذين التقديرين اللذين ذكرهما ابن عطية محذوفاً تقديره : كأنه قال : والكافرون بعد له، ودل على حذف هذا القسيم قوله :) إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ). ومعنى نفي الحب هنا : أنه لا تظهر عليهم أمارات رحمته، ولا يرضى الكفر لهم ديناً. وقال الزمخشري :) مِن فَضْلِهِ ( : بما تفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب، وهذا يشبه الكناية، لأن الفضل تبع للثواب، فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له، أو أراد من عطائه، وهو ثوابه، لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب.
( وَمِنْ ءايَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرّيَاحَ مُبَشّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِىَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءوهُم بِالْبَيّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ اللَّهُ ( سقط : الذي يرسل الرياح إلى آخر الآية ) ).


الصفحة التالية
Icon