" صفحة رقم ٢٠٦ "
( سقط : ببعض في كتاب الله من المؤمنين والهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أولياؤكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا، وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما )
هذه السورة مدنية. وتقدم أن نداءه / ( ﷺ ) ) :) مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِىّ (، ( اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ (، هو على سبيل التشريف والتكرمة والتنويه بمحله وفضيلته، وجاء نداء غيره باسمه، كقوله :) وَعَلَّمَ ءادَمَ (، ( وَنَادَى نُوحٌ (، ( ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (، ( حَدِيثُ مُوسَى (، ( وَقَتَلَ دَاوُودُ (، ( وَءاتَيْنَا عِيسَى ). وحيث ذكره على سبيل الأخبار عنه بأنه رسوله، صرح باسمه فقال :) مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ (، ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ (، أعلم أنه رسوله، ولقنهم أن يسموه بذلك. وحيث لم يقصد الإعلام بذلك، جاء اسمه كما جاء في النداء :) لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ (، ( وَقَالَ الرَّسُولُ يارَبّ رَبّ (، ( النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ (، وغير ذلك من الآي. وأمره بالتقوى للمتلبس بها، أمر بالديموية عليها والازدياد منها. والظاهر أنه أمر للنبي، وإذا كان هو مأموراً بذلك، فغيره أولى بالأمر. وقيل : هو خطاب له لفظاً، وهو لأمّته.
وروي أنه لما قدم المدينة، وكان يحب إسلام اليهود، فبايعه ناس منهم على النفاق، وكان يلين لهم جانبه، وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة، ولحلفه وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم، فنزلت تحذيراً له منهم وتنبيهاً على عداوتهم. وروي أيضاً أن أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينهم وبينه، وقام عبد الله بن أبي، ومعتب بن قشير، والجد بن قيس فقالوا له : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع، وندعك وربك ؛ فشق ذلك عليه وعلى المؤمنين، وهموا بقتلهم، فنزلت. وناسب أن نهاه عن طاعة الكفار، وهم المتظاهرون به، وعن طاعة المنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. فالسببان حاويان الطائفتين، أي : ولا تطع الكافرين من أهل مكة، والمنافقين من أهل المدينة، فيما طلبوا إليك. وروي أن أهل مكة دعوه إلى أن يرجع إلى دينهم، ويعطوه شطر أموالهم، ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته ؛ وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع، فنزلت.
ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة، وهو أنه حكى أنهم يستعجلون الفتح، وهو الفصل بينهم، وأخبر تعالى أنه يوم الفتح لا ينفعهم إيمانهم، فأمره في أول هذه السورة بتقوى الله، ونهاه عن طاعة الكفار والمنافقين فيما أرادوا به. ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ( : عليماً بالصواب من الخطأ، والمصلحة من المفسدة ؛ حكيماً لا يضع الأشياء إلا مواضعها منوطة بالحكمة ؛ أو عليماً حيث أمر بتقواه، وأنها تكون عن صميم القلب، حكيماً حيث نهى عن طاعة الكفار والمنافقين. وقيل : هي تسلية للرسول، أي عليماً بمن يتقي، حكيماً في هدي من شاء وإضلال من شاء. ثم أمره باتباع ما أوحي إليه، وهو القرآن، والاقتصار عليه، وترك مراسيم الجاهلية. وقرأ أبو عمرو : بما يعملون، الأولى والثانية بياء الغيبة ؛ وباقي السبعة : بتاء الخطاب، فجاز في الأولى أن يكون من باب الالتفات، وجاز أن يكون مناسبة لقوله :) وَاتَّبِعْ (، ثم أمره بتفويض أمره إلى الله. وتقدم الكلام في ) كَفَى بِاللَّهِ ( في أول ما وقع في القرآن. روي أنه كان في بني فهر رجل فيهم يقال له : أبو معمر جميل بن أسد، وقيل : حميد بن معمر بن حبيب بن وهب بن حارثة بن جمح، وفيه يقول الشاعر : وكيف ثوائي بالمدينة بعدما
قضى وطراً منها جميل بن معمر