" صفحة رقم ٢٠٨ "
ظاهراً وباطناً. ) وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ ( : أي سبيل الحق، وهو قوله :) ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ (، أو سبيل الشرع والإيمان. وقرأ الجمهور : يهدي مضارع هدى ؛ وقتادة : بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال. و ) أَقْسَطُ ( : أفعل التفضيل، وتقدم الكلام فيه في أواخر البقرة، ومعناه : أعدل. ولما أمر بأن يدعى المتبني لأبيه إن علم قالوا : زيد بن حارثة ) وَمَوالِيكُمْ ( ؛ ولذلك قالوا : سالم مولى أبي حذيفة. وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال : أنا ممن لا يعرف أبوه، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم. قال الرازي : ولو علم والله أباه حماراً لانتمى إليه، ورجال الحديث يقولون فيه : نفيع بن الحارث. وفي الحديث :( من ادعى إلى غير أبيه متعمداً حرم الله عليه الجنة ). ) فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ (، قيل : رفع الحرج عنهم فيما كان قبل النهي، وهذا ضعيف لا يوصف بالخطأ ما كان قبل النهي. وقيل : فيما سبق إليه اللسان. أما على سبيل الغلط، إن كان سبق ذلك إليهم قبل النهي، فجرى ذلك على ألسنتهم غلطاً، أو على سبيل التحنن والشفقة، إذ كثيراً ما يقول الإنسان للصغير : يا بني، كما يقول للكبير : يا أبي، على سبيل التوقير والتعظيم. وما عطف على ما أخطأتم، أي ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم. وأجيز أن تكون ما في موضع رفع بالابتداء، أي ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح. ) وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً ( للعامد إذا تاب، ( رَّحِيماً ( حيث رفع الجناح عن المخطىء.
وكونه، عليه السلام، ( أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ( : أي أرأف بهم وأعطف عليهم، إذ هو يدعوهم إلى النجاة، وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك. ومنه قوله، عليه السلام :( أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش ). ومن حيث ينزل لهم منزلة الأب. وكذلك في محصف أبي، وقراءة عبد الله :) وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ( : وهو أب لهم، يعني في الدين. وقال مجاهد : كل نبي أبو أمته. وقد قيل في قول لوط عليه السلام : هؤلاء بناتي، إنه أراد المؤمنات، أي بناته في الدين ؛ ولذلك جاء :) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (، أي في الدين. وعنه عليه السلام :( ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة ). وأقرؤا إن شئتم :) النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (، فأيما مؤمن هلك وترك مالاً، فليرثه عصبته من كانوا ؛ وإن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي. قيل : وأطلق في قوله تعالى :) أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ( : أي في كل شيء، ولم يقيد. فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقوقه آثر، إلى غير ذلك مما يجب عليهم في حقه. انتهى. ولو أريد هذا المعنى، لكان التركيب : المؤمنون أولى بالنبي منهم بأنفسهم. ) وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ( : أي مثل أمهاتهم في التوقير والاحترام. وفي بعض الأحكام : من تحريم نكاحهن، وغير ذلك مما جرين فيه مجرى الأجانب. وظاهر قوله :) وَأَزْواجُهُ ( : كل من أطلق عليها أنها زوجة له، عليه السلام، من طلقها ومن لم يطلقها. وقيل : لا يثبت هذا الحكم لمطلقة. وقيل : من دخل بها ثبتت حرمتها قطعاً. وهم عمر برجم امرأة فارقها رسول الله ( ﷺ ) )، ونكحت بعده، فقالت له : ولم هذا، وما ضرب علي حجاباً، ولا سميت للمسلمين أماً ؟ فكف عنها. كان أولاً بالمدينة، توارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، ثم حكى تعالى بأن أولي الأرحام أحق بالتوارث من الأخ في الإسلام، أو بالهجرة في كتاب الله، أي في اللوح المحفوظ، أو في القرآن من المؤمنين والمهاجرين، أي أولى من المؤمنين الذين كانوا يتوارثون بمجرد الإيمان، ومن المهاجرين الذين كانوا يتوارثون بالهجرة. وهذا هو الظاهر، فيكون من هنا كهي في : زيد أفضل من عمرو. وقال الزمخشري : يجوز أن يكون بياناً لأولي الأرحام، أي الأقرباء من هؤلاء، بعضهم أولى بأن يرث بعضاً من الأجانب. انتهى. والظاهر عموم قوله :) إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ (، فيشمل جميع أقسامه، من قريب وأجنبي، مؤمن وكافر، يحسن إليه ويصله في حياته، ويوصي له عند الموت، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنفية. وقال مجاهد، وابن زيد، والرماني وغيره :) إِلا أَوْلِيَائِكُمْ (، مخصوص بالمؤمنين.
وسياق ما تقدم في المؤمنين يعضد هذا، لكن ولاية النسب لا تدفع في الكافر، إنما تدفع في أن تلقي إليه بالمودة، كولي الإسلام. وهذا الاستثناء في قوله :) إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ ( هو مما يفهم من