" صفحة رقم ٢١٥ "
عليه. فبعد الكاف محذوفان وهما : دوران وعين، ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمصدر من ) يَنظُرُونَ إِلَيْكَ (، نظراً كنظر الذي يغشى عليه. وقيل : إذا جاء الخوف من القتال، وظهر المسلمون على أعدائهم، ( رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ ( في رؤوسهم، وتجول وتضطرب رجاء أن يلوح لهم. قال قتادة : بسطوا ألسنتهم فيكم. قال يزيد ابن رومان : في أذى المؤمنين وسبهم وتنقيص الشرع. وقال قتادة : في طلب العطاء من الغنيمة، والإلحاف في المسألة. وقيل : السلق في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمجاملة. وقرأ الجمهور :) سَلَقُوكُم (، بالسين ؛ وابن أبي عبلة : بالصاد. وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة بالرفع، أي هم أشحة ؛ والجمهور : بالنصب على الحال من ) سَلَقُوكُم (، وعلى الخبر يدل على عموم الشح في قوله أولاً :) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ). وقيل : في هذا : أشحة على مال الغنائم. وقيل : على مالهم الذي ينفقونه. وقيل : على الرسول بظفره.
( أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ (، إشارة إلى المنافقين : أي لم يكن لهم قط إيمان. والإحباط : عدم قبول أعمالهم، فكانت كالمحبطة. وقال الزمخشري : فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط ؟ قلت : لا، ولكن تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان إيمان، وإن لم يواطئه القلب ؛ وأن ما يعمله المنافق من الأعمال يجزى عليه. فبين أن إيمانه ليس بإيمان، وأن كل عمل يوجد منه باطل. انتهى، وفي كلامه استعمال عسى صلة لمن، وهو لا يجوز. وقال ابن زيد، عن أبيه : نزلت في رجل بدري، نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني، فأحبط الله عمله في بدر وغيرها. وكان ذلك، أي الإحباط، أو حالهم من شحهم ونظرهم، يسيراً لا يبالى به، ولا له أثر في دفع خير، ولا عليه شر. وقال الزمخشري :) عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (، معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط، تدعو إليه الدواعي، ولا يصرف عنه صارف. انتهى، وهي ألفاظ المعتزلة.
( يَحْسَبُونَ ( أنهم لم يرحلوا، ( وَإِن يَأْتِ الاْحْزَابُ ( كرة ثانية، تمنوا لخوفهم بما منوا به عند الكرة أنهم مقيمون في البدو مع الأعراب، وهم أهل العمود، يرحلون من قطر إلى قطر، يسألون من قدم من المدينة عما جرى عليكم من قتال الأحزاب، يتعرفون أحوالكم بالاستخبار، لا بالمشاهدة، فرقاً وجبناً، وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال، ولو كانوا فيكم ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال لم يقاتلوا إلا قليلاً، لعلة ورياء وسمعة. قال ابن السائب : رمياً بالحجارة خاصة دون سائر أنواع القتال. وقرأ الجمهور :) بَادُونَ (، جمع سلامة لباد. وقرأ عبد الله، وابن عباس، وابن يعمر، وطلحة : بدى على وزن فعل، كفاز وغزى، وليس بقياس في معتل اللام، بل شبه بضارب، وقياسه فعلة، كقاض وقضاة. وعن ابن عباس : بدا فعلاً ماضياً ؛ وفي رواية صاحب الإقليد : بدىّ بوزن عدى. وقرأ الجمهور :) يُسْئَلُونَ (، مضارع سأل. وحكى ابن عطية أن أبا عمرو وعاصماً والأعمش قرؤوا : يسالون، بغير همز، نحو قوله :) سَلْ بَنِى إِسْراءيلَ (، ولا يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما ؛ ونقلهما صاحب اللوامح عن الحسن والأعمش. وقرأ زيد بن علي، وقتادة، والجحدري، والحسن، ويعقوب بخلاف عنهما : يسأل بعضهم بعضاً، أي يقول بعضهم لبعض : ماذا سمعت وماذا بلغك ؟ أو يتساءلون الأعراب، كما تقول : تراءينا الهلال. ثم سلى الله نبيه عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا ما أغنوا وما قاتلوا إلا قتالاً قليلاً. قال : هو قليل من حيث هو رياء، ولو كان كثيراً.
( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الاْحْزَابَ قَالُواْ هَاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً مّنَ ).
الظاهر أن الخطاب في قوله :) لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ (، للمؤمنين، لقوله قبل :) وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ (، وقوله بعد :) لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ ). والمعنى : أنه / ( ﷺ ) ) ج، لكم فيه


الصفحة التالية
Icon