" صفحة رقم ٢٣٤ "
أقاعداً وقد سار الركب
والكاذبة إلى قوله تعالى :) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ). وقد تتأول هذه الألفاظ على أنها ليست مصادر. وقرىء : خالصة، بالرفع، فمن جعله مصدراً، قدره ذلك خلوص لك، وخلوص من دون المؤمنين. والظاهر أن قوله :) خَالِصَةً لَّكَ ( من صفة الواهبة نفسها لك، فقراءة النصب على الحال، قاله الزجاج : أي أحللناها خالصة لك، والرفع خبر مبتدأ : أي هي خالصة لك، أي هبة النساء أنفسهنّ مختص بك، لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك. وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره، عليه السلام. ويظهر من كلام أبيّ بن كعب أن معنى قوله :) خَالِصَةً لَّكَ ( يراد به جميع هذه الإباحة، لأن المؤمنين قصروا على مثنى وثلاث ورباع. وقال الزمخشري : والدليل على أنها وردت في أثر الإحلالات الأربع مخصوصة برسول الله ( ﷺ ) )، على سبيل التوكيد لها قوله :) قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْواجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (، بعد قوله :) مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (، وهي جملة اعتراضية. وقوله :) لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ( متصل ب ) خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ( في الأزواج الإماء، وعلى أي حد وصفه يجب أن يفرض عليهم، ففرضه وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله ( ﷺ ) ) بما اختصه به، ففعل.
ومعنى ) لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ( : أي لكيلا يكون عليك ضيق في دينك، حيث اختصصناك بالتنزيه، واختصاص ما هو أولى وأفضل في دنياك، حيث احللنا لك أجناس المنكوحات، وزدناك الواهبة نفسها ؛ ومن جعل خالصة نعتاً للمرأة، فعلى مذهبه هذه المرأة خالصة لك من دونهم. انتهى. والظاهر أن ) لّكَيْلاَ ( متعلق بقوله :) أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْواجَكَ ). وقال ابن عطية :) لِكَيْلاَ يَكُونَ (، أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لكي لا يكون عليك حرج، ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك، ثم آنس جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته. وقال الزمخشري :) غَفُوراً ( للواقع في الحرج إذا تاب، ( رَّحِيماً ( بالتوسعة على عباده. انتهى، وفيه دسيسه اعتزالية. ) قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ( الآية، معناه : أن ما ذكرنا فرضك وحكمك مع نسائك، وأما حكم أمتك فعندنا علمه، وسنبينه لهم. وإنما ذكر هذا لئلا يحمل واحد من المؤمنين نفسه على ما كان للنبي ( ﷺ ) )، فإن له في النكاح والتسري خصائص ليست لغيره. وقال مجاهد :) مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ (، هو أن لا يجاوزوا أربعاً. وقال قتادة : هو الولي والشهود والمهر. وقيل : ما فرضنا من المهر والنفقة والكسوة. ) وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (، قيل : لا يثبت الملك إلا إذا كانت ممن يجوز سبيها. وقيل : ما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور، والمعنى : قد علمنا إصلاح كل منك ومن أمتك، وما هو الأصلح لك ولهم، فشرعنا في حقك وحقهم على وفق ما علمنا.
روي أن أزواجه عليه السلام لما تغايرن وابتغين زيادة النفقة، فهجرهن شهراً، ونزل التخيير، فأشفقن أن يطلقن فقلن : يا رسول الله، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت. وتقدم الكلام في معنى ترجي في قوله :) وَءاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاْمْرِ اللَّهِ (، في سورة براءة. والظاهر أن الضمير في ) مِنْهُنَّ ( عائد على أزواجه عليه السلام، والإرجاء : الإيواء. قال ابن عباس، والحسن : في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك، وإمساك من تشاء. وقالت فرقة : في تزوج من تشاء من الواهبات، وتأخير من تشاء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك : وتقرر من شئت في القسمة لها، وتؤخر عنك من شئت، وتقلل لمن شئت، وتكثر لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أن هذا حكم الله وقضاؤه، زالت الإحنة والغيرة عنهن ورضين وقرت أعينهن، وهذا مناسب لما روي في سبب هذه الآية المتقدم ذكره.
( وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ( : أي ومن طلبتها من المعزولات ومن المفردات، ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ( في ردها وإيوائها إليك. ويجوز أن يكون ذلك توكيداً لما قبله، أي ومن


الصفحة التالية
Icon