" صفحة رقم ٢٦٥ "
إن الله خلق السموات وجعل الأرض والأرضيات في حكمها، ونحن من جملة الأرضيات، فنعبد الكواكب والملائكة السماوية، وهم إلهنا، والله إلههم، فأبطل بقوله :) لاَّ يَمْلِكُونَ (، ( فِي السَّمَاوَاتِ (، كما اعترفتم، ( وَلاَ فِى الاْرْضِ (، خلاف ما زعمتم. وقائل : السموات من الله استبداداً، والأرضيات منه بواسطة الكواكب، فإنه تعالى خلق العناصر والتركيبات التي فيها بالاتصالات وحركات وطوالع، فجعلوا مع الله شركاء في الأرض، والأولون جعلوا الأرض لغيره، فأبطل بقوله :) وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ (، أي الأرض، كالسماء لله لا لغيره، ولا لغيره فيهما نصيب. وقائل : التركيبات والحوادث من الله، لكن فوض إلى الكواكب، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن، ويسلب عن المأذون له فيه، جعلوا السموات معينة لله، فأبطل بقوله :) وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ ( وقائل : نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا، فأبطل بقوله :) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ (، الجملة، وأل في الشفاعة الظاهر أنها للعموم، أي شفاعة جميع الخلق. وقيل : للعهد، أي شفاعة الملائكة التي زعموها شركاء وشفعاء. انتهى، وفيه بعض تلخيص. وقال أبو البقاء : اللام في ) لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( يجوز أن تتعلق بالشفاعة، لأنك تقول : أشفعت له، وأنت تعلق بتنفع. انتهى، وهذا فيه قلة، لأن المفعول متأخر، فدخول اللام عليه قليل. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي : أذن بضم الهمزة ؛ وباقي السبعة : بفتحها، أي أذن الله له. والظاهر أن الضمير في قوله :) قُلُوبِهِمْ ( عائد على ما عادت عليه الضمائر التي للغيبة في قوله :) لاَّ يَمْلِكُونَ (، وفي ) مَّا لَهُم (، و ) مَّا لَهُم مِنْهُمْ (، وهم الملائكة الذين دعوهم آلهة وشفعاء، ويكون التقدير : إلا لمن أذن له منهم.
و ) حَتَّى ( : تدل على الغاية، وليس في الكلام عائد على أن حتى غاية له. فقال ابن عطية : في الكلام حذف يدل عليه الظاهر، كأنه قال : ولا هم شفعاء كما تحبون أنتم، بل هم عبدة أو مسلمون أبداً، يعني منقادون، ( حَتَّى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ). قال : وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله ( ﷺ ) )، أن قوله :) حَتَّى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ (، إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي، أي جبريل، وبالأمر يأمر الله به سمعت، كجر سلسلة الحديد على الصفوان، فتفزع عند ذلك تعظيماً وهيبة. وقيل : خوف أن تقوم الساعة، فإذا فزع ذلك عن قلوبهم، أي أطير الفزع عنها وكشف، يقول بعضهم لبعض ولجبريل :) مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ( ؟ فيقول المسؤولون : قال ) الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ (، وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله :) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ( لم تتصل له هذه الآية بما قبلها، فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها حتى قال بعضهم في الكفار، بعد حلول الموت : ففزع عن قلوبهم بفقد الحياة، فرأوا الحقيقة، وزال فزعهم مما يقال لهم في حياتهم، فيقال لهم حينئذ :) مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ( ؟ فيقولون : قال الحق، يقرون حين لا ينفعكم الإقرار. وقالت فرقة : الآية في جميع العالم. وقوله :) حَتَّى (، يريد في الآخرة، والتأويل الأول في الملائكة هو الصحيح، وهو الذي تظاهرت به الأحاديث، وهذا بعيد. انتهى. وإذا كان الضمير في ) عَن قُلُوبِهِمْ ( لا يعود على ) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ (، كان عائداً على من عاد عليه الضمير في قوله :) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ (، ويكون الضمير في ) عَلَيْهِمْ ( عائداً على جميع الكفار، ويكون حتى غاية لقوله :) فَاتَّبَعُوهُ (، ويكون التفزيع حالة مفارقة الحياة، أو يجعل اتباعهم إياه مستصحباً لهم إلى يوم القيامة مجازاً ).
والجملة بعد من قوله :) ).
والجملة بعد من قوله :) قُلِ ادْعُواْ ( اعتراضية بين المغيا والغاية. قال ابن زيد : أقروا بالله حين لا ينفعهم الإقرار، فالمعنى : فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم ما كان يطلبهم به، ( قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ). وقال الحسن : وإنما يقال للمشركين ) مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ( على لسان الأنبياء، فأقروا حين لا ينفع. وقيل :) حَتَّى ( غاية متعلقة بقوله :) زَعَمْتُمْ (، أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق. انتهى. فيكون في الكلام التفاوت من خطاب في ) زَعَمْتُمْ ( إلى غيبة في ) فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ). وعن ابن عباس : أن رسول الله ( ﷺ ) )، قال : فإذا أدن فزع ودام فزعه حتى إذا أزيل التفزيع عن قلوبهم. قال بعض الشافعين من الملائكة لبعض الملائكة :) مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ( في قبول شفاعتنا ؟ فيجيب بعضهم لبعض : قال أي الله الحق، أي القول الحق، وهو قبول شفاعتهم، إذا كان تعالى أذن لهم في ذلك، ولا يأذن إلا وهو مريد