" صفحة رقم ٢٧٢ "
) وَمَا أَرْسَلْنَا ( الآية : هذه تسلية لرسول الله ( ﷺ ) )، مما مني به من قومه قريش، من الكفر والافتخار بالأموال والأولاد. وإن ما ذكروا من ذلك هو عادة المترفين مع أنبيائهم، فلا يهمنك أمرهم و. ) مّن نَّذِيرٍ ( : عام، أي تنذرهم بعذاب الله إن لم يوحدوه. و ) قَالَ مُتْرَفُوهَا ( : جملة حالية، ونص على المترفين لأنهم أول المكذبين للرسل، لما شغلوا به من زخرفة الدنيا وما غلب على عقولهم منها، فقلوبهم أبداً مشغولة منهمكة بخلاف الفقراء. فإنهم خالون من مستلذات الدنيا، فقلوبهم أقبل للخير، ولذلك هم أتباع الأنبياء، كما جاء في حديث هرقل. وبما متعلق بكافرون، وبه متعلق بأرسلتم، وما عامة في ما جاءت به النذر من طلب الإيمان بالله وإفراده بالعبادة والأخبار بأنهم رسله إليهم، والبعث والجزاء على الأعمال. والظاهر أن الضمير في ) وَقَالُواْ ( عائد على المترفين ؛ وقيل : عائد على قريش، ويدل عليه ما بعده من الخطاب في قوله :) قُلْ (، لأن من تقدم من المترفين الهالكين لا يخاطبون، فلا يقول إلا الموجودون، وقوله :) وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ ( ؛ واحتجوا على رضا الله عنهم بإحسانه تعالى إليهم، فلو يتكرم عليهم ما بوسع علينا، وأما أنتم فلهو انكم عليه حرمكم أيها التابعون للرسل. ثم نقول : إن يعذبوا نفياً عاماً، لأن الأنبياء قد ينذرون بعذاب عاجل في الدنيا، أو آجل في الآخرة، فنفواهم جميع ذلك. فإما أن يكونوا منكرين للآخرة، فقد نفوا تعذيبهم فيها، لأنها إذ لم تكن، فلا يكون فيها عذاب. وإما أن يكونوا مقرين بها حقيقة، أو على سبيل الفرض، فيقولون : كما أنعم علينا في الدنيا، ينعم علينا في الآخرة على حالة الدنيا قياساً فاسداً، فأبطل الله ذلك بأن الرزق فضل منه يقسم علينا في الآخرة على حالة الدنيا، كما شاء. ) لِمَن يَشَاء (، فقد بوسع على العاصي ويضيق على الطائع، وقد يوسع عليهما، والوجود شاهد بذلك، فلا تقاس التوسعة في الدنيا، لأن ذلك في الآخرة إنما هو على الأعمال الصالحة. وقرأ الأعمش : ويقدر في الموضعين مشدداً ؛ والجمهور : مخففاً، ومعناه : ويضيق مقابل يبسط.
( وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ( : مثل هؤلاء الكفرة، ( لاَّ يَعْلَمُونَ ( أن الرزق مصروف بالمشيئة، وليس دليلاً على الرضا ثم أخبر تعالى أن أموالهم وأولادهم التي افتخروا بها ليست بمقربة من الله، وإنما يقرب الإيمان والعمل الصالح. وقرأ الجمهور :) بِالَّتِى (، وجمع التكسير من العقلاء وغيرهم يجوز أن يعامل معاملة الواحدة المؤنثة. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون التي هي التقوى، وهي المقربة عند الله زلفى وحدها، أي ليست أموالكم تلك الموضوعة للتقريب. انتهى. فجعل التي نعتاً لموصوف محذوف وهي التقوى. انتهى، ولا حاجة إلى تقدير هذا الموصوف. والظاهر أن التي راجع إلى الأموال والأولاد، وقاله الفراء. وقال أيضاً، هو والزجاج : حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والتقدير :) وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ). انتهى. ولا حاجة لتقدير هذا المحذوف، إذ يصح أن يكون التي لمجموع الأموال والأولاد. وقرأ الحسن : باللاتي جمعاً، وهو أيضاً راجع للأموال والأولاد. وقرى بالذي، وزلفى مصدر، كالقربى، وانتصابه على المصدرية من المعنى، أي يقربكم. وقرأ الضحاك : زلفا بفتح اللام وتنوين الفاء، جمع زلفة، وهي القربة.
( وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ ( : الظاهر أنه استثناء منقطع، وهو منصوب على الاستثناء، أي لكن من آمن ؛ ) وَعَمِلَ صَالِحَاً (، فإيمانه وعمله يقربانه. وقال الزجاج : هو بدل من الكاف والميم في تقربكم، وقال النحاس : وهذا غلط لأن الكاف والميم للمخاطب، فلا يجوز البدل، ولو جاز هذا الجاز : رأيتك زيداً ؛ وقول أبي إسحاق هذا قول الفراء. انتهى. ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز أن يبدل من ضمير المخاطب والمتكلم، لكن البدل في الآية لا يصح. ألا ترى أنه لا يصح تفرغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا ؟ لو قلت : مازيد بالذي يضرب إلا خالداً، لم يصح. وتخيل الزجاج أن الصلة، وإن كانت من حيث المعنى منفية، أنه يصح البدل، وليس بجائز إلا فيما يصح التفريغ له. وقد اتبعه الزمخشري فقال : إلا من آمن استثناء من كم في تقربكم