" صفحة رقم ٢٨٨ "
إضلاله من يشاء وهداية من يشاء. وقرأ الجمهور :) فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ (، مبنياً للفاعل من ذهب، ونفسك فاعل. وقرأ أبو جعفر، وقتادة، وعيسى، والأشهب، وشيبة، وأبو حيوة، وحميد والأعمش، وابن محيصن : تذهب من أذهب، مسند الضمير المخاطب، نفسك : نصب، ورويت عن نافع : والحسرة هم النفس على فوات أمر. وانتصب ) حَسَراتٍ ( على أنه مفعول من أجله، أي فلا تهلك نفسك للحسرات، وعليهم متعلق بتذهب، كما تقول : هلك عليه حباً، ومات عليه حزناً، أو هو بيان للمتحسر عليه، ولا يتعلق بحسرات لأنه مصدر، فلا يتقدّم معموله. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون حالاً، كأنه كلها صارت حسرات لفرط التحسر، كما قال جرير : مشق الهواجر لحمهن مع السرى
حتى ذهبن كلاكلاً وصدرواً
يريد : رجعن كلاكلاً وصدوراً، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها، ومنه قوله : فعلى إثرهم تساقط نفسي
حسرات وذكرهم لي سقام
انتهى. وما ذكر من أن كلاكلاً وصدوراً حالان هو مذهب سيبويه. وقال المبرد : هو تمييز منقول من الفاعل، أي حتى ذهبت كلاكلها وصدورها. ثم توعدهم بالعقاب على سوء صنعهم فقال :) إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ( : أي فيجازيهم عليه.
( وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَدَّلَ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ وَاللَّهُ ).
لما ذكر أشياء من الأمور السماوية وإرسال الملائكة، ذكر أشياء من الأمور الأرضية : الرياح وإسالها، وفي هذا احتجاج على منكري البعث. دلهم على المثال الذي يعاينونه، وهو وإحياء الموتى سيان. وفي الحديث :( أنه قيل لرسول الله ( ﷺ ) ) : كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه ؟ فقال : هل مررت بوادي أهلك محلاً، ثم مررت به يهتز خضراً ؟ فقالوا : نعم، فقال : فكذلك يحيي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه ).
قيل :) أُرْسِلَ ( في معنى يرسل، ولذلك عطف عليه ) فَتُثِيرُ ). وقيل : جيء بالمضارع حكاية حال يقع فيها إثارة الرياح السحاب، ويستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية


الصفحة التالية
Icon