" صفحة رقم ٢٩٩ "
الثلاثة، قال مكي : فقيل هم المذكرون في الواقعة. فالسابق بالخيرات هو المقرب، والمقتصد أصحاب الميمنة، والظالم لنفسه أصحاب المشأمة، وهو قول يروى معناه عن عكرمة والحسن وقتادة، قالوا : الضمير في منهم عائد على العباد. فالظالم لنفسه الكافر والمنافق، والمقتصد المؤمن العاصي، والسابق التقي على الإطلاق، وقالوا : هو نظير ما في الواقعة. والأكثرون على أن هؤلاء الثلاثة هم في أمة الرسول، ومن كان من أصحاب المشأمة مكذباً ضالاً لا يورث الكتاب ولا اصطفاه الله، وإنما الذي في الواقعة أصناف الخلق من الأولين والآخرين. قال عثمان ابن عفان : سابقنا أهل جهاد، ومقتصدنا أهل حضرنا، وظالمنا أهل بدونا، لا يشهدون جمعة ولا جماعة. وقال معاذ : الظالم لنفسه : الذي مات على كبيرة لم يتب منها، والمقتصد : من مات على صغيرة ولم يصب كبيرة لم يتب منها، والمقتصد : من مات على صغيرة ولم يصب كبيرة لم يتب منها، والسابق : من مات نائباً عن كبيرة أو صغيرة أو لم يصب ذلك. وقيل : الظالم لنفسه : العاصي المسرف، والمقتصد : متقي الكبائر، والسابق : المتقي على الإطلاق. وقال الحسن : الظالم : من خفت حسناته، والمقتصد : من استوت، والسابق : من رجحت. وقال الزمخشري : قسمهم إلى ظالم مجرم، وهو المرجىء لأمر الله، ومقتصد، وهو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ؛ وسابق، من السابقين. انتهى. وذكر في التجريد ثلاثة وأربعين قولاً في هؤلاء الأصناف الثلاثة. وقرأ أبو عمران الحوفي، وعمر ابن أبي شجاع، ويعقوب في رواية، والقرآءة عن أبي عمر و : سباق ؛ والجمهور. سابق، قيل : وقدم الظالم لأنه لا يتكل إلا على رحمة الله. وقال الزمخشري : للإيذان بكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصد قليل بالإضافة إليهم، والسابقون أقل من القليل. انتهى. ) بِإِذُنِ اللَّهِ ( : بتيسيره وتمكنه، أي أن سبقه ليس من جهة ذاته، بل ذلك منه تعالى. والظاهر أن الإشارة بذلك إلى إيراث الكتاب واصطفاء هذه الأمة.
( وَجَنَّاتٍ ( على هذا مبتدأ، و ) يَدْخُلُونَهَا ( الخبر. وجنات، قرأءة الجمهور جمعاً بالرفع، ويكون ذلك إخباراً بمقدار أولئك المصطفين. وقال الزمخشري، وابن عطية :) جَنَّاتُ ( بدل من ) الْفَضْلِ ). قال الزمخشري : فإن قلت : فكيف جعلت ) جَنَّاتِ عَدْنٍ ( بدلاً من ) الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك ؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب، فأبدلت عنه جنات عدن. انتهى. ويدل على أنه مبتدأ قراءة الجحدري وهارون، عن عاصم. جنات، منصوباً على الاشتغال، أي يدخلون جنات عدن يدخلونها. وقرأ رزين، وحبيش، والزهري : جنة على الأفراد. وقرأ أبو عمرو : ويدخلونها مبنياً للمفعول، ورويت عن ابن كثير والجمهور مبنياً للفاعل. والظاهر أن الضمير المرفوع في يدخلونها عائداً على الأصناف الثلاثة، وهو يقول عبد الله بن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبي الدرداء، وعقبة بن عامر، وأبي سعيد، وعائشة، ومحمد بن الحنيفة، وجعفر الصادق، وأبي إسحاق السبيعي، وكعب الأحبار. وقرأ عمر هذه الآية، ثم قال رسول الله ( ﷺ ) ) :( سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له ). ومن جعل ثلاثة الأصناف هي التي في الواقعة، لأن الضمير في يدخلونها عائد عنده على المقتصد والسابق. وقال الزمخشري : هو عائد على السابق فقط، ولذلك إشارة إلى السبق بعد التقسيم، فذكر ثوابهم. والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر، فليحذر المقتصد، وليهلك الظالم لنفسه حذراً، وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله، ولا يغتر بما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله ( ﷺ ) ) :( سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له )، فإن شرط ذلك صحة