" صفحة رقم ٣١٧ "
وقرىء ( من المكرمين ) مشدد الراء مفتوح الكاف. والجمهور بإسكان الكاف وتخفيف الراء.
( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين، إن كانت الا صيحة واحدة فإذا هم خامدون، يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون، ألم يرو كم أهلكنا من القرون أنهم غليهم لا يرجعون، وإن كل لما جميع لدينا محضرون، وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون، سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون، والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون، وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون، وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون، إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ).
أخبر تعالى بإهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة، صاح بهم جبريل. وفي ذلك توعد لقريش أن يصيبهم ما أصابهم إذ هم المضروب لهم المثل. وأخبر تعالى أنه ينزل عليهم لإهلاكهم ( جندا من السماء ) كالحجارة والريح وغير ذلك، وكانوا أهون عليه. وقوله ( من بعده ) يدل على ابتداء الغاية. أي : لم يرسل إليهم رسولا ولا عاتبهم بعد قتله، بل عاجلهم بالهلاك. والظاهر : أن ( ما ) في قوله ( وما كنا منزلين ) نافية. فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها. أي : وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكهم جندا من السماء، لأنه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض كما قال ) فكلا أخذنا بذنبه ( [ العنكبوت ٤٠ ] الآية. وقالت فرقت ( ما ) اسم معطوف على ( جند )، قال ابن عطية :' أي : من جند ومن الذي منا منزلين على الأمم مثلهم '. انتهى. وهو تقدير لا يصح، لأن ( من ) في ( من جندد ) زائدة. ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين، أحدهما. أن يكون قبلها نفي أو نهي أو استفهام والثاني : أن يكون بعدها نكرة. وإن كان كذلك فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة. لا يجوز ما ضربت من رجل ولا زيد. وإنه لا يجوز ولا من زيد. وهو. قدر المعطوف بالذي وهو معرفة فلا يعطف على النكرة المرورة بمن الزائدة. وقال أبو البقاء :' ويجوز أن تكون ( ما ) زائدة. أي وقد كنا منزلين '. وقوله ليس بشيء. وقرأ ( إن كانت إلا صيحة ) بنصب الصيحة. و ( كان ) ناقصة واسمها مضمر. أي : أن كانت الأخذة أو العقوبة. وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث القارىء ( صيحة ) ' بالرفع في الموضعين على أن ( كانت تامة. أي : ما حدثت أو وقعت إلا صيحة. وكان الأصل لا يلحق التاء، لأنه إذا كان الفعل مسندا إلى ما بععد إلا من المؤنث لم تلحق العلامة للتأنيث، فيقول : ما قام إلا هند. ولا يجوز ما قامت إلا هند عند أصحابنا إلا في الشعر. وجوزه بعضهم في الكلام على قلة ومثله قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وقتادة وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية ) لا ترى غلا مساكنهم ( [ الأحقاف : ٢٥ ] بالتاء والقراءة المشهورة بالياء. وقول ذي الرمة : وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
وقول الآخر : ما ربرئت من ريبة وذم
في حربنا إلا بنات العم
فأنكر أبو حاتم وكثير من النحويين هذه القراءة بسبب لحوق تاء التأنيث ( فإذا هم خامدون ) أي : فاجأهم الخمود إثر


الصفحة التالية
Icon