" صفحة رقم ٣١٩ "
إليهم '. انتهى. فجعل ( يروا ) بمعنى يعلموا، وعلقها على العمل في ( كم ) وقوله :' لأن ( كم ) لا يعمل فيها ما قبلها كانت للاستفهام أو للخبر '. وهذا ليس على إطلاقه، لأن العامل إذا كان حرف جر، أو أسما مضافا، جاز أن يعمل فيها نحوكم. على كم جذع بيتك ؟ وأين كم رئيس صحبت ؟ وعلى كم فقير تصدقت ؟ أرجو الثواب ؟ وأين كم شهيد في سبيل الله أحسنت إليه ؟ قوله :' أو للخبر ' الخبرية فيها لغتان الفصيحة كما ذكر، لا يتقدمها عامل إلا ما ذكرنا من الجار. واللغة الأخرى حكاها الأخفش يقولون فيها : ملكت كم غلام. أي : ملكت كثيرا من الغلمان. فكما يجوز أن يتقدم العامل على كثير كذلك يجوز أن يتقدم على كم، لأنها بمعناها. وقوله :' لأن أصلها الاستفهام ' ليس أصلها الاستفهام، بل كل واحدة أصل في بابها لكنها لفظ مشترك بين الاستفهام والخبر. وقوله :' إلا أن معناها نافذ في الجملة '. يعني : معنى ( يروا ) نافذ في الجملة، لأن جعلها معلقة وشرح ب ( يعلموا ). وقوله كما تقدم في قولك - ألم يروا ان زيدا لمنطلق. فإن زيدا لمنطلق معمول من حيث المعنى ل ( يروا ) ولو كان عاملا من حيث اللفظ لم تدخل اللام وكانت أن مفتوحة كإن وفي خبرها اللام من الأدوات التي تعلق أفعال القلوب. وقوله :' وأنهم لا يرجعون ' إلى آخر كلامه. لا يصح أن يكون بدلا لا على اللفظ ولا على المعنى. أما على اللفظ، فإنه زعم أن ( يروا ) معلقة فيكون ( كم ) استفهاما وهو معمول ل ( أهلكنا ) و ( أهلكنا ) لا يتسلط على ( أنهم إليهم لا يرجعون ) وتقدم لنا ذلك. وأما على المعنى فلا يصح أيضا، لأنه قال تقديره : أي على المعنى ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم، فكونهم غير كذا ليس كثرة الإهلاك فلا يكون بدل كل من كل، ولا بعضا من الإهلاك، ولا يكون بدل بعض من كل، ولا يكون بدل اشتمال، لأن بدل الاشتمال يصح أن يضاف إلى ما أبدل منه. وكذلك بدل بعض من كل وهذا لا يصح هنا، لا تقول : ألم يروا انتفاء رجوع كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم وفي بدل الاشتمال نحو. أعجبني الجارية ملاحتها. وسرق زيد ثوبه يصح : أعجبني ملاحة الجارية. وسرق ثوب زيد. وتقدم لنا الكلام على إعراب مثل هذه الجملة في قوله :) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( [ الأنعام : ٦ ] في سورة الأنعام والذي تقتضيه صناعة العربية أن ( أنهم ) معمول المحذوف ودل عليه المعنى. وتقديره : قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب لتتفق القراءتان ولا تختلفا. والضمير في ( أنهم ) عائد على معنى ( كم ) وهم القرون. و ( إليهم ) عائد على من أسند إليه ( يرو ) وهم قريش. فالمعنى : أنهم لا يرجعون إلى من في الدنيا وقيل : الضمير في ( انهم ) عائد على من أسند إليه ( يروا ) وفي ( إليهم ) عائد على المهلكين. والمعنى : أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة. أي : أهلكناهم، وقطعنا نسلهم. والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم. وقرأ عبد الله ( ألم يروا من أهلكنا ) ( أنهم ) هلى هذا بدل اشتمال. وفي قولهم ( أنهم لا يرجعون ) رد على القائلين بالرجعة. وقيل لابن عباس : إن قوما يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة فقال : ليس القوم نحن إذا نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه '. وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر بتثقيل ( لما ) وباقي السبعة بتخفيفا. فمن ثقلها كانت عنده بمعنى إلا و ( إن ) نافية. أي : ما كل. أي : كلهم إلا ( جميع لدينا محضرون ). أي : محشرون. قاله قتادة. وقال ابن سلام :' معذبون '، وقيل : التقدير لمن ما وليس بشيء ومن خفف ( لما ) جعل ( إن ) المخففة من الثقيلة و ( ما ) زائدة. أي : إن كل لجميع، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون ف ( إن ) عندهم نافية واللام بمعنى إلا و ( ما ) زائدة. و ( لما ) المشددة بمعنى غلآ ثابت في لسان العرب بنقل الثقات، فلا يلتفت إلى زعم الكسائي لأنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي :' في كون لما بمعنى إلا معنى مناسب، وهو أن لما كأنها حرفا نفي جميعا وهما لم وما فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخرة ' انتهى.. وهذا أخذه من قول الفراء في ألا في الاستثناء أنها مركبة من إن ولا إلا أن الفراء جعل أن المخففة من الثقيلة وما الزائدة. أي : عن كل لجميع، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون و ( إن ) عندهم مافية والللام بمعنى إلا و ( ما ) زائدة. ولما المشددة بمعنى إلا ثابت حرف مفي، وهو قول مردود عند النحاة ركيك وما تركب منه وزاد تحريفا أرك منه. و ( كل ) بمعنى الإحاطة. و ( جميع ) فعيل بمعنى