" صفحة رقم ٣٤٠ "
أبوهم آدم، إذ كانوا نسله. وقال الطبري : خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء، وهذا كله إذا خلط صار طيناً لازباً يلزم ما جاوره. وعن ابن عباس : اللازب بالجر، أي الكريم الجيد.
وقرأ الجمهور :) بَلْ عَجِبْتَ (، بتاء الخطاب، أي من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة، وهم يسخرون منك ومن تعجبك، ومما تريهم من آثار قدرة الله، أو عجبت من إنكارهم البعث، وهم يسخرون من أمر البعث. أو عجبت من إعراضهم عن الحق وعماهم عن الهدى، وأن يكونوا كافرين مع ما جئتم به من عند الله. وقرأ حمزة، والكسائي، وابن سعدان، وابن مقسم : بياء المتكلم. ورويت عن عليّ، وعبد الله، وابن عباس، والنخعي، وابن وثاب، وطلحة، وشقيق، والأعمش. وأنكر شريح القاضي هذه القراءة. وقال : الله لا يعجب، فقال إبراهيم : كان شريح معجباً بعلمه، وعبد الله أعلم منه، يعني عبد الله ابن مسعود. والظاهر أن ضمير المتكلم هو لله تعالى، والعجب لا يجوز على الله تعالى، لأنه روعة تعتري المتعجب من الشيء. وقد جاء في الحديث إسناد العجب إلى الله تعالى، وتؤول على أنه صفة فعل يظهرها الله تعالى في صفة المتعجب منه من تعظيم أو تحقير حتى يصير الناس متعجبين منه. فالمعنى : بل عجبت من ضلالتهم وسوء عملهم، وجعلتها للناظرين فيها وفيما اقترن فيها من شرعي وهداي متعجباً. وقال الزمخشري : أي بلغ من عظيم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت منها، فكيف بعبادي وهؤلاء، لجهلهم وعنادهم، يسخرون من آياتي ؟ أو عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله، وهم يسخرون بمن يصف الله بالقدرة عليه، قال : ويجرد العجب لمعنى الاستعظام، أو يخيل العجب ويفرض. وقيل : هو ضمير الرسول، أي قل بل عجبت. قال مكي، وعليّ بن سليمان : وهم يسخرون من نبوتك والحق الذي عندك.
( وَإِذَا ذُكّرُواْ ( ووعظوا، ( لاَ يَذْكُرُونَ (، ولا يتعظون. وذكر جناح بن حبيش : ذكروا، بتخفيف الكاف. روي أن ركانة رجلاً من المشركين من أهل مكة، لقيه الرسول في جبل خال يرعى غنماً له، وكان من أقوى الناس، فقال له :( يا ركانة، أرأيت إن صرعتك أتؤمن من بي ) ؟ قال : نعم، فصرعه ثلاثاً، ثم عرض عليه آيات من دعاء شجرة وإقبالها، فلم يؤمن، وجاء إلى مكة فقال : يا بني هاشم، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض، فنزلت فيه وفي نظرائه :) وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً يَسْتَسْخِرُونَ ). قال مجاهد، وقتادة : يسخرون، يكون استفعل بمعنى المجرد. وقيل : فيه معنى الطلب، أي يطلبون أن يكونوا ممن يسخرون. وقال الزمخشري : يبالغون في السخرية، أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها. وقرىء : يستسحرون، بالحاء المهملة، وهو عبارة عن ما قال ركانة لأسحر الرسول. والإشارة بهذا إلى ما ظهر على يديه، عليه السلام، من الخارق المعجز.
وتقدم الخلاف في كسر ميم ) مِتْنَا ( وضمها. ومن قرأ :) أئذا ( بالاستفهام، فجواب إذا محذوف، أي نبعث، ويدل عليه إنا لمبعوثون، أو يعرى عن الشرط ويكون ظرفاً محضاً، ويقدر العامل : أنبعث إذا متنا ؟ وقرأ الجمهور :) لَمَبْعُوثُونَ أَوَ ءابَاؤُنَا ( بفتح الواو في أو. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وابن عامر، ونافع في رواية قالون : بالسكون، فهي حرف عطف، ومن فتح قالوا وحرف عطف دخلت عليه همزة الاستفهام. قال الزمخشري :) أَوَ ءابَاؤُنَا ( معطوف على محل إن واسمها، أو على الضمير في مبعوثون. والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام، والمعنى : أيبعث أيضاً آباؤنا ؟ على زيادة الاستبعاد، يعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبعد وأبطل. انتهى. أما قوله معطوف على محل إن واسمها فمذهب سيبويه خلافه، لأن قولك : إن زيداً قائم وعمرو، فيه مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف. وأما قوله : أو على الضمير في ) مَّبْعُوثُونَ ( إلى آخره، فلا يجوز عطفه على الضمير، لأن همزة الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل، لا على المفرد، لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملاً في المفرد بوساطة حرف العطف، وهمزة الاستفهام لا يعمل فيما بعدها ما قبلها. فقوله :) أَوَ ءابَاؤُنَا ( مبتدأ، خبره محذوف تقديرهه مبعوثون، ويدل عليه ما قبله. فإذا


الصفحة التالية
Icon