" صفحة رقم ٣٤٣ "
إنكار الوحدانية وإنكار الرسالة. وقولهم :) لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ( : تخليط في كلامهم، وارتباك في غيهم. فإن الشاعر هو عنده من الفهم والحذق وجودة الإدراك ما ينظم به المعاني الغريبة ويصوغها في قالب الألفاظ البديعة، ومن كان مجنوناً لا يصل إلى شيء من ذلك.
ثم أضرب تعالى عن كلامهم، وأخبر بأن جاء الحق، وهو إثبات الذي لا يلحقه إضمحلال، فليس ما جاء به شعراً، بل هو الحق الذي لا شك فيه. ثم أخبر أنه صدق من تقدمه من المرسلين، إذ هو وهم على طريقة واحدة في دعوى الأمم إلى التوحيد وترك عبادة غيره. وقرأ عبد الله : وصدق بتخفيف الدال، المرسلون بالواو رفعاً، أي وصدق المرسلون في التبشير به وفي أنه يأتي آخرهم. وقرأ الجمهور :) لَذَائِقُونَ الْعَذَابَ (، بحذف النون للإضافة ؛ وأبو السمال، وأبان، عن ثعلبة، عن عاصم : بحذفها لالتقاء لام التعريف ونصب العذاب. كما خذف بعضهم التنوين لذلك في قراءة من قرأ أحد الله، ونقل ابن عطية عن أبي السمال أنه قرأ : لذائق منوناً، العذاب بالنصب، ويخرج على أن التقدير جمع، وإلأ لم يتطابق المفرد وضمير الجمع في ) إِنَّكُمْ (، وقول الشاعر : فألفيته غير مستعتب
ولا ذاكر الله إلا قليلاً
وقرىء : لذائقون بالنون، العذاب بالنصب، وما ترون إلا جزاء مثل عملكم، إذ هو ثمرة عملكم. ) إلاّ عباد الله المخلصين، أولئك لهم رزق معلوم، فواكه وهم مكرمون، في جنات النعيم، على سرر متقابلين، يطاف عليهم بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين، لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، وعندهم قاصرات الطرف عين، كأنهم بيض مكنون، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قال قائل منهم إني كان لي قرين، يقول أإنك لمن المصدقين، أإذا متنا وكنا تراباً وعظام أإنا لمدينون، قال هل أنتم مطّلعون، فاطلع فرآه في سواء الجحيم، قال تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين، أفما نحن بميتين، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين، إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون.
( إلا عباد الله ( : استثناء منقطع. لما ذكر شيئاً من أحوال الكفار وعذابهم ذكر شيئاً من أحوال المؤمنين ونعيمهم. و ) الْمُخْلَصِينَ ( : صفة مدح، لأن كونهم عباد الله، يلزم منه أن يكونوا مخلصين. ووصف ) رّزْقِ ( بمعلوم، أي عندهم. فقد قرت عيونهم بما يستدر عليهم من الرزق، وبأن شهواتهم تأتيهم بحسبها. وقال الزمخشري : معلوم بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر. وقيل : معلوم الوقت كقوله :) وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ). وعن قتادة : الرزق المعلوم : الجنة. وقوله :) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( يأباه. انتهى. ) فَواكِهُ ( بدل من ) رّزْقِ (، وهي ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالأقوات لأنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد، فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ. وقرأ ابن مقسم : مكرمون، بفتح الكاف مشدد الراء.
ذكر أولاً الرزق، وهو ما يتلذذ به الأجسام. وثانياً الإكرام، وهو ما يتلذذ به النفوس، ورزق بإهانة تنكيد. ثم ذكر المحل الذي هم فيه، وهو جنات النعيم. ثم أشرف المحل، وهو السرر. ثم لذة التآنس بأن بعضهم يقابل بعضاً، وهو أتم السرور آنسة. ثم المشروب، وأنهم لا يتناولون ذلك بأنفسهم، بل يطاف عليهم بالكؤوس. ثم وصف ما يطاف عليهم به من الطيب وانتفاء المفاسد. ثم ذكر تمام اللذة الجسمانية، وختم بها كما بدأ باللذة الجسمانية من الرزق، وهي أبلغ الملاذ، وهي التآنس بالنساء.
وقرأ الجمهور :) عَلَى سُرُرٍ (، بضم الراء ؛ وأبو السمال : بفتحها، وهي لغة بعض تميم ؛ وكلب يفتحون ما كان جمعاً على فعل من


الصفحة التالية
Icon