" صفحة رقم ٣٦٢ "
بذلك لاجتنابهم وخفائهم. وقال الزمخشري : وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعاً منهم وتصغيراً لهم، وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم، وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار، وهو من صفات الأجرام، لا يصح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك. انتهى.
( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ ( : أي الملائكة، ( أَنَّهُمْ ( : أي الكفرة المدعين نسبة بين الملائكة وبين الله تعالى، محضرون النار، يعذبون بما يقولون. وأضيف ذلك إلى علم من نسبوا لذلك، مبالغة في تكذيب الناسبين. ثم نزه تعالى نفسه عن الوصف الذي لا يليق به، ( إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ (، فإنهم يصفونه بصفاته. وأما من المحضرون، أي إلا عباد الله، فإنهم ناجون مدة العذاب، وتكون جملة التنزيه اعتراضاً على كلا القولين، فالاستثناء منقطع. والظاهر أن الواو في ) وَمَا تَعْبُدُونَ ( للعطف، عطفت ما تعبدون على الضمير في إنكم، وأن الضمير في عليه عائد على ما، والمعنى : قل لهم يا محمد : وما تعبدون من الأصنام ما أنتم وهم، وغلب الخطاب. كما تقول : أنت وزيد تخرجان عليه، أي على عبادة معبودكم. ) بِفَاتِنِينَ ( : أي بحاملين بالفتنة عبادة، إلا من قدر الله في سابق علمه أنه من أهل النار. والضمير في ) عَلَيْهِ ( عائد على ما على حذف مضاف، كما قلنا، أي على عبادته. وضمن فاتنين معنى : حاملين بالفتنة، ومن مفعولة بفاتنين، فرغ له العامل إذ لم يكن بفاتنين مفعولاً. وقيل : عليه بمعنى : أي ما أنتم بالذي تعبدون بفاتنين، وبه متعلق بفاتنين، المعنى : ما أنتم فاتنين بذلك الذي عبدتموه إلا من سبق عليه القدر أنه يدخل النار. وجعل الزمخشري الضمير في عليه عائداً على الله، قال فإن قلت : كيف يفتنونهم على الله ؟ قلت : يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم من قولك : فتن فلان على فلان امرأته، كما تقول : أفسدها عليه وخيبها عليه. ويجوز أن تكون الواو في ) وَمَا تَعْبُدُونَ ( بمعنى مع مثلها في قولهم : كل رجل وضيعته. فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته، جاز أن يسكت على قوله :) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (، لأن قوله :) وَمَا تَعْبُدُونَ ( ساد مسد الخبر، لأن معناه فإنكم مع ما تعبدون، والمعنى : فإنكم مع آلهتكم، أي فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تبرحون تعبدونهم. ثم قال ) مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ ( : أي على ما تعبدون، ( بِفَاتِنِينَ ( : بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال، إلا من هو ضال منكم. انتهى. وكون الواو في ) وَمَا تَعْبُدُونَ ( واو مع غير متبادر إلى الذهن، وقطع ) مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ( عن إنكم وما تعبدون ليس بجيد، لأن اتصافه به هو السابق إلى الفهم مع صحة المعنى، فلا ينبغي العدول عنه.
وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة : صالوا الجحيم بالواو، وهكذا في كتاب الكامل للهذلي. وفي كتاب ابن خالويه عنهما : صال مكتوباً بغير واو، وفي كتاب ابن عطية. وقرأ الحسن : صالوا مكتوباً بالواو ؛ وفي كتاب اللوامح وكتاب الزمخشري عن الحسن : صال مكتوباً بغير واو. فمن أثبت الواو فهو جمع سلامة سقطت النون للإضافة. حمل أولاً على لفظ من فأفرد، ثم ثانياً على معناها فجمع، كقوله :) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (، حمل في يقول على لفظ من، وفي وما هم على المعنى، واجتمع الحمل على اللفظ، والمعنى في جملة واحدة، وهي صلة للموصول، كقوله :) إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ ). وقول الشاعر :
وأيقظ من كان منكم نياماً
ومن لم يثبت الواو احتمل أن يكون جمعاً، وحذفت الواو خطأ، كما حذفت في حالة الوصل لفظاً لأجل التقاء الساكنين. واحتمل أن يكون صال مفرداً حذفت لامه تخفيفاً، وجرى الإعراب في عينه، كما حذف من قوله :) إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (، ( وَلَهُ الْجَوَارِ (، برفع النون والجوار، وقالوا : ما باليت به بالة، أي بالية من بالى، كعافية من عافى، فحذفت لام باليت وبالية. وقالوا بالة وبال، بحذف اللام فيهما. وقال الزمخشري : وقد وجه نحواً من الوجهين السابقين وجعلهما أولاً وثالثاً فقال : والثاني أن يكون أصله صائل على القلب، ثم يقال : صال في صائل، كقولهم : شاك في شائك. انتهى. ) الْجَحِيمِ وَمَا مِنَّا ( : أي أحد، ( إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ( : أي مقام في العبادة والانتهاء إلى أمر الله، مقصور عليه لا يتجاوزه. كما روي : فمنهم راكع لا يقيم ظهره، وساجد لا يرفع رأسه، وهذا قول الملائكة، وهو يقوي قول من جعل الجنة


الصفحة التالية
Icon