" صفحة رقم ٣٨٠ "
غض من منصب النبوّة كفينا عنه. والخير في قوله ) حُبَّ الْخَيْرِ ( : أي هذا القول يراد به الخيل. والعرب تسمي الخيل الخير، قاله قتادة والسدي : وقال الضحاك، وابن جبير : الخير هنا المال، وانتصب حب الخير، قيل : على المفعول به لتضمن أحببت معنى آثرت، قاله الفرّاء. وقيل : منصوب على المصدر التشبيهي، أي أحببت الخيل كحب الخير، أي حباً مثل حب الخير. وقيل : عدى بعن فضمن معنى فعل يتعدى بها، أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي، أو جعلت حب الخير مغني عن ذكر ربي. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان أن أحببت بمعنى : لزمت، من قوله :
مثل بعير السوء إذ أحبا
وقالت فرقة :) أَحْبَبْتُ ( : سقطت إلى الأرض، مأخوذ من أحب البعير إذا أعي وسقط. قال بعضهم : حب البعير : برك، وفلان : طأطأ رأسه. وقال أبو زيد : بعير محب، وقد أحب إحباباً، إذا أصابه مرض أو كسر، فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت. قال ثعلب : يقال للبعير الحسير محب، فالمعنى : قعدت عن ذكر ربي. وحب الخير على هذا مفعول من أجله، والظاهر أن الضمير في ) تَوَارَتْ ( عائد على ) الصَّافِنَاتُ (، أي دخلت اصطبلاتها، فهي الحجاب. وقيل : حتى توارت في المسابقة بما يحجبها عن النظر. وقيل : الضمير للشمس، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العشي عليها. وقالت طائفة : عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة، فأشار إليهم أني في صلاتي، فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات ؛ فقال هو لما فرغ من صلاته :) إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ (، أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها، ردوها عليّ فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها. وقال ابن عباس والزهري : مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيدية تكريماً لها ومحبة، ورجحه الطبري. وقيل : بل غسلاً بالماء. وقال الثعلبي : إن هذا المسح كان في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله. انتهى. وهذا القول هو الذي يناسب مناصب الأنبياء، لا القول المنسوب للجمهور، فإن في قصته ما لا يليق ذكره بالنسبة للأنبياء.
و ) حَتَّى تَوَارَتْ ( : غاية، فالفعل يكون قبلها متطاولاً حتى تصح الغاية، فأحببت : معناه أردت المحبة. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله :) رُدُّوهَا عَلَىَّ ( ؟ قلت : بمحذوف تقديره : قال ردوها عليّ، فأضمروا ضمير ما هو جواب له، كأن قائلاً قال : فماذا قال سليمان ؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهراً. ثم ذكر الزمخشري لفظاً فيه غض من النبوة فتركته. وما ذهب إليه من هذا الإضمار لا يحتاج إليه، إذ الجملة مندرجة تحت حكاية القول وهو :) فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ ). فهذه الجملة وجملة ) رُدُّوهَا عَلَىَّ ( محكيتان بقال، وطفق من أفعال المقاربة للشروع في الفعل، وحذف غيرها لدلالة المصدر عليه، أي فطفق يمسح مسحاً. وقرأ الجمهور :) مَسْحاً ( : وزيد بن علي : مساحاً، على وزن قتال، والباء ) فِى بِالسُّوقِ ( زائدة، كهي في قوله :) فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ). وحكى سيبويه : مسحت برأسه ورأسه بمعنى واحد، وتقدم الكلام على ذلك في المائدة. وقرأ الجمهور : بالسوق، بغير همز على وزن فعل، وهو جمع ساق، على وزن فعل بفتح العين، كأسد وأسد ؛ وابن كثير بالهمز، قال أبو علي : وهي ضعيفة، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو وقدر أنها عليها فهمزت، كما يفعلون بالواو المضمومة. ووجه همز السوق من السماع أن أبا حبة النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وكان ينشد :
حب المؤقدين إلى مؤسى
انتهى. وليست ضعيفة، لأن الساق فيه الهمزة، ووزن فعل بسكون العين، فجاءت هذه القراءة على هذه اللغة. وقرأ