" صفحة رقم ٤٠٠ "
جملة الآيات التي عددها، دالاً على وحدانيته وقدرته. تشعب هذا الفائت للحصر من نفس آدم وخلق حواء من قصيراه، إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة، والأخرى لم تجربها العادة، ولم تخلق أنثى غير حواء من رجل، فكانت أدخل في كونها آية، وأجلب لعجب السامع، فعطفها بثم على الآية الأولى، للدلالة على مباينتها فضلاً ومزية، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال والمنزلة، لا من التراخي في الوجود. انتهى. وأما ) ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (، فقد تقدّم الكلام على هذا الجعل في أول سورة النساء، ووصف الأنعام بالإنزال مجازاً ما، لأن قضاياه توصف بالنزول من السماء، حيث كتب في اللوح : كل كائن يكون وأما لعيشها بالنبات والنبات ناشىء عن المطر والمطر نازل من السماء فكأنه تعالى أنزلها، فيكون مثل قول الشاعر :
أسنمة الا بال في ربابه
أي : في سحابه، وقال آخر :
صار الثريد في رؤوس العيدان
وقيل : خلقها في الجنة ثم أنزلها، فعلى هذا يكون إنزال أصولها حقيقة. والأنعام : الإبل والبقر والضأن والمعز، ( ثَمَانِيَةَ أَزْواجٍ (، لأن كلاً منها ذكر وأنثى، والزوج ما كان معه آخر من جنسه، فاذا انفرد فهو فرد ووتر. وقال تعالى :) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاْنثَى ).
قال ابن زيد :) خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ ( : آخر من ظهر آدم وظهور الآباء. وقال عكرمة ومجاهد والسدي : رتبا ) خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ ( على المضغة والعلقة وغير ذلك. وأخذه الزمخشري فقال : حيواناً سوياً، من بعد عظام مكسوة لحماً، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ، من بعد علق، من بعد نطف. انتهى. وقرأ عيسى وطلحة : يخلقكم، بإدغام القاف في الكاف، والظلمات الثلاث : البطن والرحم والمشيمة، وقيل : الصلب والرحم والبطن. ) ذالِكُمْ ( : إشارة إلى المتصف بتلك الأوصاف السابقة من خلق السموات وما بعد ذلك من الأفعال. ) فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( : أي كيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره ؟
) إِن تَكْفُرُواْ (، قال ابن عباس : خطاب للكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم. وعباده : هم المؤمنون، ويؤيده قوله قبله :) فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (، وهذا للكفار، فجاء ) إِن تَكْفُرُواْ ( خطاباً لهم، ( فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ (، وعن عبادتكم، إذ لا يرجع إليه تعالى منفعة بكم ولا بعبادتكم إذ هو الغني المطلق. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مخاطباً لجميع الناس، لأنه تعالى غني عن جميعهم، وهم فقراء إليه. انتهى. ولفظ عباده عام، فقيل : المراد الخصوص، وهم الملائكة ومؤمنو الإنس والجن. والرضا بمعنى الإرادة، فعلى هذا صفة ذات. وقيل : المراد العموم، كما دل عليه اللفظ، والرضا مغاير للإرادة، عبر به عن الشكر والإثابة، أي لا يشكره لهم ديناً ولا يثيبهم به خيراً، فالرضا على هذا صفة فعل بمعنى القبول والأثابة. قال ابن عطية : وتأمل الإرادة، فإن حقيقتها إنما هي فيما لم يقع بعد، والرضا حقيقته إنما هو فيما قد وقع، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارهم على جهة التجوز هذا بدل هذا. وقال الزمخشري : ولقد تمحل بعض الغواة ليثبت لله ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفر، فقال : هذا من العام الذى أريد به الخاص، وما أراد إلا عباده الذين عناهم في قوله :) إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (، يريد


الصفحة التالية
Icon