" صفحة رقم ٤٠٢ "
َ قَلِيلاً ( : أي تلذذوا صنع ما شئت قليلاً، أي عمراً قليلاً، والخطاب للكافر جاعل الأنداد لله. ) إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ( : أي من سكانها المخلدين فيها. وقال الزمخشري : وقوله ) تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ (، أي من باب الخذلان والتخلية، كأنه قيل له : إذ قد أبيت قبل ما أمرت به من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن لا تؤمر به بعد ذلك. ويؤمر بتركه مبالغة خذلانه وتخليته وشأنه، لأنه لا مبالغة في الخذلان أشد من أن يبعث على عكس ما أمروا به، ونظيره في المعنى :) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ). انتهى.
ولما شرح تعالى شيئاً من أحوال الظالمين الضالين المشركين، أردفه بشرح أحوال المهتدين الموحدين فقال :) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ). وقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والأعمش، وعيسى، وشيبة، والحسن في رواية : أمن، بتخفيف الميم. والظاهر أن الهمزة لاستفهام التقرير، ومقابله محذوف لفهم المعنى، والتقدير : أهذا القانت خير أم الكافر المخاطب بقوله ) قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ ( ؟ ويدل عليه قوله :) قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ). ومن حذف المقائل قول الشاعر : دعاني إليها القلب إني لأمرها
سميع فما أدري أرشد طلابها
تقديره : أم غيّ. وقال الفراء : الهمزة للنداء، كأنه قيل : يا من هو قانت، ويكون قوله قل خطابا له، وهذا القول أجنبي مما قبله وما بعده. وضعف هذا القول أبو علي الفارسي، ولا التفات لتضعيف الأخفش وأبي حاتم هذه القراءة. وقرأ باقي السبعة، والحسن، وقتادة، والأعرج، وأبو جعفر : أمّن، بتشديد الميم، وهي أم أدغمت ميمها في ميم من، فاحتملت أم أن تكون متصلة ومعادلها محذوف قبلها تقديره : أهذا الكافر خير أم من هو قانت ؟ قال معناه الأخفش، ويحتاج مثل هذا التقدير إلى سماع من العرب، وهو أن يحذف المعادل الأول. واحتملت أم أن تكون منقطعة تتقدر ببل، والهمزة والتقدير : بل أم من هو قانت صفته كذا، كمن ليس كذلك. وقال النحاس : أم بمعنى بل، ومن بمعنى الذي، والتقدير : بل الذي هو قانت أفضل ممن ذكر قبله. انتهى. ولا فضل لمن قبله حتى يجعل هذا أفضل، بل يقدر الخبر من أصحاب الجنة، يدل عليه مقابله :) إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ). والقانت : المطيع، قاله ابن عباس، وتقدم الكلام في القنوت في البقرة.
وقرأ الجمهور :) سَاجِداً وَقَائِماً (، بالنصب على الحال ؛ والضحاك : برفعهما إما على النعت لقانت، وإما على أنه خبر بعد خبر، والواو للجمع بين الصفتين. ) يَحْذَرُ الاْخِرَةَ ( : أي عذاب الآخرة، ( مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ ( : أي حصولها، وقيل : نعيم الجنة، وهذا المتصف بالقنوت إلى سائر الأوصاف، قال مقاتل : عمار، وصهيب، وابن مسعود، وأبو ذر. وقال ابن عمر : عثمان. وقال ابن عباس في رواية الضحاك : أبو بكر وعمر. وقال يحيى بن سلام : رسول الله ( ﷺ ) ). والظاهر أنه من اتصف بهذه الأوصاف من غير تعيين. وفي الآية دليل على فضل قيام الليل، وأنه أرجح من قيام النهار.
ولما ذكر العمل ذكر العلم فقال :) قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (، فدل أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين، فكما لا يستوي هذان، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. والمراد بالعلم هنا : ما أدى إلى معرفة الله ونجاة العبد من سخطه. وقرأ : يذكر، بإدغام تاء يتذكر في الذال. ) قُلْ ياأَهْلَ عِبَادِ الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ (، وروي أنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا عن الهجرة إلى أرض الحبشة، وعدهم تعالى فقال :) لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ ). والظاهر تعلق في هذه بأحسنوا، وأن المحسنين في الدنيا لهم في الآخرة حسنة، أي حسنة عظيمة، وهي الجنة، قاله مقاتل، والصفة محذوفة يدل عليها المعنى، لأن من أحسن في الدنيا لا يوعد أن يكون له في الآخرة مطلق حسنة. وقال السدي : في


الصفحة التالية
Icon