" صفحة رقم ٤٠٨ "
وقال الزمخشري : وإنما جعله رجلاً ليكون أفطن لما شقى به أو سعد، فإن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك. وانتصب مثلاً على التمييز المنقول من الفاعل، إذ التقدير : هل يستوي مثلهما ؟ واقتصر في التمييز على الواحد، لأنه المقتصر عليه أو لا في قوله :) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً (، ولبيان الجنس. وقرىء : مثلين، فطابق حال الرجلين. وقال الزمخشري : ويجوز فيمن قرأ مثلين أن يكون الضمير في يستويان للمثلين، لأن التقدير مثل رجل، والمعنى : هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية ؟ كما يقول : كفى بهما رجلين. انتهى. والظاهر أنه يعود الضمير في يستويان إلى الرجلين، فأما إذا جعلته عائداً إلى المثلين اللذين ذكر أن التقدير مثل رجل ورجل، فإن التمييز إذ ذاك يكون قد فهم من المميز الذي هو الضمير، إذ يصير التقدير : هل يستوي المثلان مثلين ؟ قل :) الْحَمْدُ للَّهِ ( : أي الثناء والمدح لله لا لغيره، وهو الذي ثبتت وحدانيته، فهو الذي يجب أن يحمد، ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (، فيشركون به غيره. ولفظة الحمد لله تشعر بوقوع الهلاك بهم بقوله :) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ).
ولما لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل الباهرة، أخبر الجميع بأنهم ميتون وصائرون إليه، وأن اختصامكم يكون بين يديه يوم القيامة، وهو الحكم العدل، فيتميز المحق من المبطل، وهو عليه السلام وأتباعه المحقون الفائزون بالظفر والغلبة، والكافرون هم المبطلون. فالضمير في وإنك خطاب للرسول، وتدخل معه أمته في ذلك. والظاهر عود الضمير في ) وَإِنَّهُمْ ( على الكفار، وغلب ضمير الخطاب في ) إِنَّكَ ( على ضمير الغيبة في إنهم، ولذلك جاء ) تَخْتَصِمُونَ ( بالخطاب، فتحتج أنت عليهم بأنك قد بلغت، وكذبوا واجتهدت في الدعوة، ولجوا في العناد. وقال أبو العالية : هم أهل القبلة، يختصمون بينهم يوم القيامة في مظالمهم. وأبعد من ذهب إلى أن هذا الخصام سببه ما كان في قتل عثمان، وما جرى بين علي ومعاوية بسبب ذلك، رضى الله عنهم. وقيل : يختصم الجميع، فالكفار يخاصم بعضهم بعضاً حتى يقال لهم : لا تختصموا لدي. والمؤمنون يتلقون الكافرين بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. وقرأ ابن الزبير، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، وعيسى، واليماني، وابن أبي غوث، وابن أبي عبلة : إنك مائت وإنهم مائتون، وهي تشعر بحدوث الصفة ؛ والجمهور : ميت وميتون، وهي تشعر بالثبوت واللزوم كالحي.
٢ ( ) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ قُلْ ياقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَق فَمَنِ اهْتَدَى