" صفحة رقم ٤١٣ "
محمد عن تعييب آلهتنا وتعيينا، لنسلطها عليه فتصيبه بخبل وتعتريه بسوء، فأنزل الله :) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ( : أي شر من يريده بشر، والهمزة الداخلة على النفي للتقرير، أي هو كاف عبده، وفي إضافته إليه تشريف عظيم لنبيه. وقرأ الجمهور : عبده، وهو رسول الله ( ﷺ ) ). وقرأ أبو جعفر، ومجاهد، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي : عباده بالجمع، أي الأنبياء والمطيعين من المؤمنين ؛ ) وَيُخَوّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ( : وهو الأصنام. ولما بعث خالداً إلى كسر العزى، قال له سادنها : إني أخاف عليك منها، فلها قوة لا يقوم لها شيء. فأخذ خالد الفأس، فهشم به وجهها ثم انصرف. وفي قوله :) وَيُخَوّفُونَكَ (، تهكم بهم لأنهم خوفوه بما لا يقدر على نفع ولا ضرر. ونظير هذا التخويف قول قوم هو دله :) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء ). وقرىء :) عَلَى عَبْدِهِ ( على الإضافة، ويكافي عباده مضارع كفى، ونصب عباده فاحتمل أن يكون مفاعلة من الكفاية، كقولك : يجازي في يجزي، وهو أبلغ من كفى، لبنائه على لفظظ المبالغة، وهو الظاهر لكثرة تردّد هذا المعنى في القرآن، كقوله :) فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ). ويحتمل أن يكون مهموزاً من المكافأة، وهي المجازاة، أي يجزيهم أجرهم.
ولما كان تعالى كافي عبده، كان التخويف بغيره عبثاً باطلاً. ولما اشتملت الآية على مهتدين وضالين، أخبر أن ذلك كله هو فاعله، ثم قال :) أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ( : أي غالب منيع، ( ذِى انتِقَامٍ ( : وفيه وعيد لقريش، ووعد للمؤمنين. ولما أقروا بالصانع، وهو الله، أخبرهم أنه تعالى هو المتصرف في نبيه بما أراد. فإن تلك الأصنام التي يدعونها آلهة من دونه لا تكشف ضراً ولا تمسك رحمة، أي صحة وسعة في الرزق ونحو ذلك. وأرأيتم هنا جارية على وضعها، تعدت إلى مفعولها الأول، وهو ما يدعون. وجاء المفعول الثاني جملة استفهامية، وفيها العائد على ما، وهو لفظ هن وأنث تحقيراً لها وتعجيزاً وتضعيفاً. وكان فيها من سمى تسمية الإناث، كالعزى ومناة واللات، وأضاف إرادة الله الضر إلى نفسه والرحمة إليها، لأنهم خوفوه مضرتها، فاستسلف منهم الإقرار بأن خالق العالم هو الله. ثم استخبرهم عن أصنامهم، هل تدفع شرّاً وتجلب خيراً ؟ وقرأ الجمهور : كاشفات وممسكات على الإضافة ؛ وشيبة، والأعرج، وعمرو بن عبيد، وعيسى : بخلاف عنه ؛ وأبو عمرو، وأبو بكر ؛ بتنوينهما ونصب ما بعدهما. ولما تقرر أنه تعالى كافية، وأن أصنامهم لا تضر ولا تنفع، أمره تعالى أنه يعلم أنه تعالى هو حسبه، أي كافية. والجواب في هذا الاستخبار محذوف، والتقدير : فإنهم سيقولون : لا تقدر على شيء من ذلك. وقال مقاتل : استخبرهم فسكتوا. ) قُلْ ياأَهْلَ قَوْمٌ اعْمَلُواْ ( : تقدم الكلام على نظيرها.
( إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ اللَّهُ ).
لما كان عليه السلام يعظم عليه عدم إيمانهم ورجوعهم إلى ما أنزل الله تعالى عليه، سلاه تعالى عن ذلك، وأخبره أنه أنزل عليه الكتاب، وهو القرآن، مصحوباً بالحق، وهو دين الإسلام، للناس : أي لأجلهم، إذ فيه تكاليفهم. ) فَمَنُ اهْتَدَى (