" صفحة رقم ٤١٥ "
العامل في إذا، المعنى : إذا كان ذلك استبشروا. انتهى. أما قول الزمخشري : فلا أعلمه من قول من ينتمي للنحو، وهو أن الظرفين معمولان لعامل واحد، ثم إذا الأولى ينتصب على الظرف، والثانية على المفعول به. وأما قول الحوفي فبعيد جدًّا عن الصواب، إذ جعل إذا ماضفة إلى الابتداء والخبر، ثم قال : وإذا مكررة للتوكيد وحذف ما تضاف إليه، فكيف تكون مضافة إلى الابتداء والخبر الذي هم يستبشرون ؟ وهذا كله يوجبه عدم الإتقان لعلم النحو والتحدث فيه، وقد تقدم لنا في مواضع إذا التي للمفاجأة جواباً لإذا الشرطية، وقد قررنا في علم النحو الذي كتبناه أن إذا الشرطية ليست مضافة إلى الجملة التي تليها، وإن كان مذهب الأكثرين، وأنها ليست بمعمولة للجواب، وأقمنا الدليل على ذلك، بل هي معمولة للفعل الذي يليها، كسائر أسماء الشرطية الظرفية، وإذا الفجائية رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط، كالفاء ؛ وهي معمولة لما بعدها. إن قلنا إنها ظرف، سواء كان زماناً أو مكاناً. ومن قال إنها حرف، فلا يعمل فيها شيء، فإذا الأولى معمولة لذكرهم، والثانية معمولة ليستبشرون. ولما أخبر عن سخافة عقولهم باشمئزازهم من ذكر الله، واستبشارهم بذكر الأصنام، أمره أن يدعو بأسماء الله العظمى من القدرة والعلم ونسبة الحكم إليه، إذ غيره لا قدرة له ولا علم تام ولا حكم، وفي ذلك وصف لحالهم السيىء ووعيد لهم وتسلية للرسول عليه السلام. وتقدم الكلام في ) اللَّهُمَّ ( في سورة آل عمران.
( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ( : تقدم الكلام على تشبيهه في العقود. ) وَبَدَا لَهُمْ مّنَ اللَّهِ ( : أي كانت ظنونهم في الدنيا متفرقة، حسب ضلالاتهم وتخيلاتهم فيما يعتقدونه. فإذا عاينوا العذاب يوم القيامة، ظهر لهم خلاف ما كانوا يظنون، وما كان في حسابهم. وقال سفيان الثوري : ويل لأهل الرياء من هذه الآية. ) وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ ( : أي جزاء ما كانوا وما فيما كسبوا، يحتمل أن تكون بمعنى الذي، أي سيئات أعمالهم، وأن تكون مصدرية، أي سيئات كسبهم. والسيئات : أنواع، العذاب سميت سيئات، كما قال :) وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا ).
) فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ وَلَاكِنَّ ).
تقدم في غير آية كون الإنسان إذا مسه الضر التجأ إلى الله، مع اعتقادهم الأوثان وعبادتها. فإذا أصابتهم شدة، نبذوها ودعوا رب السموات والأرض، وهذا يدل على تناقض آرائهم وشدة اضطرابها. والإنسان جنس وضر مطلق، والنعمة عامة في جميع ما يسر، ومن ذلك إزالة الضر. وقيل : الإنسان معين، وهو حذيفة بن المغيرة. والظاهر أن ما في إنما كافة مهيئة لدخول إن على الجملة الفعلية، وذكر الضمير في ) أُوتِيتُهُ (، وإن كان عائداً على النعمة، لأن معناها مذكر، وهو الأنعام أو المال، على قول من شرح النعمة بالمال، أو المعنى : شيئاً من النعمة، أو لأنها تشتمل على مذكر ومؤنث، فغلب المذكر. وقيل : ما موصولة، والضمير عائد على ما، أي قال : إن الذي أوتيته على علم مني، أي بوجه المكاسب والمتاجر، قاله قتادة، وفيه إعجاب بالنفس وتعاظم مفرط. أو على علم من الله فيّ واستحقاق جزائه عند الله، وفي هذا احتراز الله وعجز ومنّ على الله. أو على علم مني بأني سأعطاه لما فيّ من فضل واستحقاق، بل هي فتنة إضراب عن دعواه أنه إنما أوتي على علم، بل تلك النعمة فتنة وابتلاء. ذكر أولاً في ) أُوتِيتُهُ ( على المعنى، إذ كانت ما مهيئة، ثم عاد إلى اللفظ فأنث في قوله ) بَلْ هِىَ (، أو تكون هي عادت على الإتيان، أي بل إتيانه النعمة فتنة. وكان العطف هنا بالفاء في فإذا، بالواو في أول السورة لأنها وقعت مسببة عن قوله :) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ (، أي يشمئزون عند ذكر الله، ويستبشرون بذكر آلهتهم. فإذا مس أحدهم


الصفحة التالية
Icon