" صفحة رقم ٤٣٢ "
حسنات أوليائه وعفوه عن سيئاتهم.
ولما ذكر جملة من صفاته العلا الذاتية والفعلية، ذكر أنه المنفرد بالألوهية، المرجوع إليه في الحشر ؛ ثم ذكر حال من جادل في الكتاب، وأتبع بذكر الطائعين من ملائكته وصالحي عباده فقال :) مَا يُجَادِلُ فِىءايَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ (، وجدالهم فيها قولهم : مرة سحر، ومرة شعر، ومرة أساطير الأولين، ومرة إنما يعلمه بشر، فهو جدال بالباطل، وقد دل على ذلك بقوله :) وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ ). وقال السدي : ما يجادل : أي ما يماري. وقال ابن سلام : ما يجحد. وقال أبو العالية : نزلت في الحرث بن قيس، أحد المستهزئين. وأما ما يقع بين أهل العلم من النظر فيها، واستيضاح معانيها، واستنباط الأحكام والعقائد منها، ومقارعة أهل البدع بها، فذلك فيه الثواب الجزيل. ثم نهى السامع أن يغتر بتقلب هؤلاء الكفار في البلاد وتصرفاتهم فيها، بما أمليت لهم من المساكن والمزارع والممالك والتجارات والمكاسب، وكانت قريش تتجر في الشأم والمين ؛ فإن ذلك وبال عليهم وسبب في إهلاكهم، كما هلك من كان قبلهم من مكذبي الرسل.
وقرأ الجمهور :) فَلاَ يَغْرُرْكَ (، بالفك، وهي لغة أهل الحجاز. وقرأ زيد بن علي : وعبيد بن عمير : فلا يغرك، بالإدغام مفتوح الراء، وهي لغة تميم. ولما كان جدال الكفار ناشئاً عن تكذيب ما جاء به الرسول، عليه السلام، من آيات الله، ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة، وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله بهم، ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول، عليه السلام، إليهم ؛ فبدأ بقوم نوح، إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض، وعطف على قومه الأحزاب، وهم الذين تحزبوا على الرسل. ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله، ومنهم : عاد وثمود وفرعون وأتباعه، وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل، لأن الرسل لما عصمهم الله منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل. وقرأ الجمهور :) برسولهتم ( ؛ وقرأ عبد الله : برسولها، عاد الضمير إلى لفظ أمة. ) بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ( : ليتمكنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل. وقال ابن عباس : ليأخذوه : ليملكوه، وأنشد قطرب : فاما تأخذوني تقتلوني
فكم من آخذ يهوى خلودي
ويقال للقتيل والأسير : أخيذ. وقال قتادة :) لِيَأْخُذُوهُ ( : ليقتلوه، عبر عن المسبب بالسبب. ) وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ ( : أي بما هو مضمحل ذاهب لا ثبات له. وقيل : الباطل : الكفر. وقيل : الشيطان. وقيل : بقولهم :) مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا ). ) لِيُدْحِضُواْ ( : ليزلقوا، ( بِهِ الْحَقَّ ( : أي الثابت الصدق. ) فَأَخَذَتْهُمُ ( : فأهلكتهم. ) فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ( إياهم، استفهام تعجيب من استصالهم، واستعظام لما حل بهم، وليس استفهاماً عن كيفية عقابهم، وكانوا يمرون على مساكنهم ويرون آثار نعمة الله فيهم ؛ واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة لأنها فاصلة، والأصل عقابي. ) وَكَذالِكَ حَقَّتْ ( : أي مثل ذلك الوجوب من عقابهم وجب على الكفرة، كونهم من أصحاب النار، من تقدم منهم ومن تأخروا. ) أَنَّهُمْ ( : بدل من ) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ (، فهي في موضع رفع، ويجوز أن يكون التقدير لأنهم وحذف لام العلة. والمعنى : كما وجب إهلاك أولئك الأمم، وجب إهلاك هؤلاء، لأن الموجب لإهلاكهم وصف جامع لهم، وهو كونهم من أصحاب النار. وفي مصحف عبد الله : وكذلك سبقت، وهو تفسير معنى، لا قراءة. وقرأ ابن هرمز، وشيبة، وابن القعقاع، ونافع، وابن عامر : كلمات على الجمع ؛ وأبو رجاء، وقتادة، وباقي السبعة : على الإفراد.
( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً ( سقط : فاغفر للذين آمنوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربن وأدخلعم جنات عدن التي وعدتهم ومن ) ).


الصفحة التالية
Icon