" صفحة رقم ٤٣٤ "
حصول مطلوبهم من سؤال المغفرة.
ولما حكى تعالى عنهم كيفية ثنائهم عليه، وأخبر باستغفارهم، وهو قولهم :) فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ ). وطلب المغفرة نتيجة الرحمة، وللذين تابوا يتضمن أنك علمت توبتهم، فهما راجعان إلى قوله :) رَّحْمَةً وَعِلْماً (، و ) اتَّبَعُواْ سَبِيلِكَ (، وهي سبيل الحق التي نهجتها لعبادك، ( إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ ( : الذي لا تغالب، ( الْحَكِيمُ ( : الذي يضع الأشياء مواضعها التي تليق بها. ولما طلب الغفران يتضمن إسقاط العذاب، أرادفوه بالتضرع بوقايتهم العذاب على سبيل المبالغة والتأكيد، فقالوا :) وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (، وطلب المغفرة، ووقاية العذاب للتأئب الصالح، وقد وعد بذلك الوعد الصادق بمنزلة الشفاعة في زيادة الثواب والكرامة.
ولما سألوا إزالة العقاب، سألوا اتصال الثواب، وكرر الدعاء بربنا فقالوا :) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ). وقرأ الجمهور : جنات جمعاً ؛ وزيد بن علي، والأعمش : جنة عدن بالإفراد، وكذا في مصحف عبد الله، وتقدم الكلام في إعراب التي في قوله :) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ( في سورة مريم. وقرأ ابن أبي عبلة : صلح بضم اللام، يقال : صلح فهو صليح وصلح فهو صالح. وقرأ عيسى : وذريتهم، بالإفراد ؛ والجمهور بالجمع. وعن ابن جبير في تفسير ذلك أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول : أين أبي ؟ أين أمي ؟ أين ابني ؟ أين زوجتي ؟ فيلحقون به لصلاحه ولتنبيهه عليه وطلبه إياهم، وهذه دعوة الملائكة. انتهى. وإذا كان الإنسان في خير، ومعه عشيرته وأهله، كان أبهج عنده وأسر لقلبه. والظاهر عطف ومن على الضمير في وأدخلهم، إذ هم المحدث عنهم والمسئول لهم. وقال الفراء، والزجاج : نصبه من مكانين : إن شئت على الضمير في ) وَأَدْخِلْهُمْ (، وإن شئت على الضمير في ) وَعَدْتَّهُمْ ).
) وَقِهِمُ السَّيّئَاتِ ( : أي امنعهم من الوقوع فيها حتى لا يترتب عليها اجزاؤها، أو وقهم جزاء السيئات التي إجترحوها، فحذف المضاف ولا تكرار في هذا، وقوله :) وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ( لعدم توافق المدعو لهم أن الدعاء الأول للذين تابوا، والثاني أنه لهم ولمن صلح من المذكورين، أو لا ختلاف الدعاءين إذا أريد بالسيئات أنفسهم، فذلك وقاية عذاب الجحيم، وهذا وقاية الوقوع في السيئات. والتنوين في بومئذ تنوين العوض، والمحذوف جملة عوض منها التنوين، ولم تتقدم جملة يكون التنوين عوضاً منها، كقوله :) فَلَوْلا إِذْ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (، ( وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ ( أي حين إذ بلغت الحلقوم، فلا بد من تقدير جملة يكون التنوين عوضاً منها كقوله، يدل عليها معنى الكلام، وهي ) وَمَن تَقِ السَّيّئَاتِ ( : أي جزاءها يوم إذ يؤاخذ بها ) فَقَدْ رَحِمْتَهُ ). ولم يتعرض أحد من المفسرين الذين وقفنا على كلامهم في الآية للجملة التي عوض منها التنوين في يومئذ، وذلك إشارة إلى الغفران. ودخول الجنة ووقاية العذاب هو الفوز بالظفر العظيم الذي عظم خطره وجل صنعه.
ولما ذكر شيئاً من أحوال المؤمنين، وذكر شيئاً من أحوال الكافرين، وما يجري لهم في الآخرة من اعترافهم بذنوبهم واستحقاقهم العذاب وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا. ونداؤهم، قال السدي : في النار. وقال قتادة : يوم القيامة، والمنادون لهم الزبانية على جهة التوبيخ والتقريع. واللام في ) لَمَقْتُ ( لام الابتداء ولام القسم، ومقت مصدر مضاف إلى الفاعل، التقدير : لمقت الله إياكم، أو لمقت الله أنفسكم، وحذف المفعول لدلالة ما بعده عليه في قوله :) أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ). والظاهر أن مقت الله إياهم هو في الدنيا، ويضعف أن يكون في الآخرة، كما قال بعضهم لبقاء إذ تدعون، مفلتاً من الكلام، لكونه ليس له عامل تقدم، ولا مفسر لعامل. فإذا كان المقت السابق في الدنيا، أمكن أن يضمر له عامل تقديره : مقتكم إذ تدعون. وقال الزمخشري : وإذ تدعون منصوب بالمقت الأول، والمعنى : أنه يقال لهم يوم القيامة : إن الله مقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفرحين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان، فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر، أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار، إذ أوقعتكم فيها بأتباعكم هواهن. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. وأخطأ في قوله :) وَإِذْ


الصفحة التالية
Icon