" صفحة رقم ٤٣٧ "
وقال الضحاك : جبريل يرسله لمن يشاء. وقيل : الرحمة، وقيل : أرواح العباد، وهذان القولان ضعيفان، والأولى الوحي، استعير له الروح لحياة الأديان المرضية به، كما قال :) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ). وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون القاء الروح عامل لكل ما ينعم الله به على عباده المهتدين في تفهيم الإيمان والمعقولات الشريفة. انتهى. وقال الزجاج : الروح : كل ما به حياة الناس، وكل مهتد حي، وكل ضال ميت. انتهى. وقال ابن عباس :) مِنْ أَمْرِهِ ( : من قضائه. وقال مقاتل : بأمره، وحكى الشعبي من قوله، ويظهر أن من لابتداء الغاية.
وقرأ الجمهور :) لّيُنذِرَ ( مبنياً للفاعل، ( يَوْمٍ ( بالنصب، والظاهر أن الفاعل يعود على الله، لأنه هو المحدث عنه. واحتمل يوم أن يكون مفعولاً على السعة، وأن يكون ظرفاً، والمنذر به محذوف. وقرأ أبي وجماعة : كذلك إلا أنهم رفعوا يوم على الفاعلية مجازاً. وقيل : الفاعل في القراءة الأولى ضمير الروح. وقيل : ضمير من. وقرأ اليماني فيما ذكر صاحب اللوامح : لينذر مبنياً للمفعول، يوم التلاق، برفع الميم. وقرأ الحسن واليماني فيما ذكر ابن خالويه : لتنذر بالتاء، فقالوا : الفاعل ضمير الروح، لأنها تؤنث، أو فيه ضمير الخطاب الموصول. وقرىء : التلاق والتناد، بياء وبغير ياء، وسمي يوم التلاق لالتقاء الخلائق فيه، قاله ابن عباس. وقال قتادة ومقاتل : يلتقي فيه الخالق والمخلوق. وقال ميمون بن مهران : يلتقي فيه الظالم والمظلوم. وحى الثعلبي : يلتقي المرء بعلمه. وقال السدّي : يلاقي أهل السماء أهل الأرض. وقيل : يلتقى العابدون ومعبودهم. ) يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ( : أي ظاهرون من قبورهم، لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء، لأن الأرض إذ ذاك قاع صفصف، ولا من ثياب، لأنهم يحشرون حفاة عراة. ويوماً بدل من يوم التلاق، وكلاهما ظرف مستقبل. والظرف المستقبل عند سيبويه لا يجوز إضافته إلى الجملة الإسمية، لا يجوز : أجيئك يوم زيد ذاهب، أجراء له مجرى إذا، فكما لا يجوز أن تقول : أجيئك إذا زيد ذاهب، فكذلك لا يجوز هذا. وذهب أبو الحسن إلى جواز ذلك، فيتخرج قوله :) يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ( على هذا المذهب. وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا على قلة، والدلائل مذكورة في علم النحو. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون انتصابه على الظرف، والعامل فيه قوله :) لاَ يَخْفَى (، وهي حركة إعراب لا حركة بناء، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن، كيومئذ. وقال الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وكقوله تعالى :) هَاذَا يَوْمُ يَنفَعُ ). وأما في هذه الآية فالجملة اسم متمكن، كما تقول : جئت يوم زيد أمير، فلا يجوز البناء. انتهى. يعني أن ينتصب على الظرف قوله :) يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ). وأما قوله لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن، فالبناء ليس متحتماً، بل يجوز فيه البناء والإعراب. وأما تمثيله بيوم ينفع، فمذهب البصريين أنه لا يجوز فيه إلا الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز النباء والإعراب فيه. وأما إذا أضيف إلى جملة سمية، كما مثل من قوله : جئت يوم زيد أمير، فالنقل عن البصريين تحتم الإعراب، كما ذكر، والنقل عن الكوفيين جواز الإعراب والبناء. وذهب إليه بعض أصحابنا، وهو الصحيح لكثرة شواهد البناء على ذلك. ووقع في بعض تصانيف أصحابنا أنه يتحتم فيه البناء، وهذا قول لم يذهب إليه أحد، فهو وهم. ) لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء ( : أي من سرائرهم وبواطنهم. قال ابن عباس : إذا هلك من في السموات ومن في الأرض، فلم يبق إلا الله قال :) لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ (، فلا يجيبه أحد، فيرد على نفسه :) للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ). وقال ابن مسعود : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد بأرض بيضاء، كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط، فأول ما يتكلم به


الصفحة التالية
Icon