" صفحة رقم ٤٤٠ "
( سقط : الآية كاملة )
ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، و وعيد القريش أن يحل بهم ما حل بفرعون وقومه من نقمات الله، ووعد للمؤمنين بالظفر والنصر وحسن العاقبة. وآيات موسى عليه السلام كثيرة، والذي تحدى به من المعجز العصا واليد. وقرأ عيسى : وسلطان بضم اللام، والسلطان المبين : الحجة والبرهان الواضح. والظاهر أن قارون هو الذي ذكره تعالى في قوله :) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى (، وهو من بني إسرائيل. وقيل : هو غيره، ونص على هامان وقارون لمكانتهما في الكفر، ولأنهما أشهر أتباع فرعون. ) فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ( : أي هذا ساحر، لما ظهر على يديه من قلب العصاحية، وظهور النور الساطع على يده، كذاب لكونه ادعى أنه رسول من رب العالمين. ) فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقّ مِنْ عِندِنَا ( : أي بالمعجزات والنبوة والدعاء إلى الإيمان بالله، ( قَالُواْ (، أي أولئك الثلاثة، ( اقْتُلُواْ ). قال ابن عباس : أي أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولاً. انتهى. يريد أن هذا غير القتل الأول، وإنما أمروا بقتل أبناء المؤمنين لئلا يتقوى بهم موسى عليه السلام، وباستحياء النساء للاستخدام والاسترقاق، ولم يقع ما أمروا به ولا تم لهم، ولا أعانهم الله عليه. ) وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ ( : أي في حيرة وتخبط، لم يقع منه شيء، ولا أنجح سعيهم، وكانوا باشروا القتل أولاً، فنفذ قضاء الله في إظهار من خافوا هلاكهم على يديه. وقيل : كان فرعون قد كف عن قتل الأبناء، فلما بعث موسى، وأحس أنه قد وقع ما كان يحذره، أعاد القتل عليهم غيظاً وحنقاً وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين معاً.
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ (، قال الزمخشري : بعضه من كلام الحسن، كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه، هو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، ومثله لا يقامه إلا ساحر مثله، ويقولون : إن قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة. والظاهر أن فرعون، لعنه الله، كان قد استيقن أنه نبي، وأن ما جاء به آيات وما هو سحر، ولكن الرجل كان فيه خبث وجبروت، وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه، يهدم ملكه ؟ ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله :) وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ( : شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، كان قوله :) ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى ( تمويهاً على قومه وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع. وقال ابن عطية : الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى انهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره، وذلك بين من غير ما موضع في قصتهما، وفي ذلك على هذا دليلان : أحدهما : قوله ) ذَرُونِى (، فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنفاذ أوامرهم. الدليل الثاني : في مقالة المؤمن وما صدع به، وأن مكاشفته لفرعون خير من مساترته، وحكمه بنبوة موسى أظهر من تقريبه في أمره. وأما فرعون، فإنه نحا إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي، ومن ذلك قوله :) ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ( : أي إني لا أبالي من رب موسى، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والخيانة لهم، فقال :) إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ (، والدين : السلطان، ومنه قول زهير :


الصفحة التالية
Icon