" صفحة رقم ٤٦٨ "
ليس عائداً على السماء، لا من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، بخلاف الحال أو المفعول الثاني، فإنه عائد على السماء على المعنى. ) وَأَوْحَى فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا (، قال مجاهد وقتادة : وأوحى إلى سكانها وعمرتها من الملائكة وإليها هي في نفسها ما شاء تعالى من الأمور التي هي قوامها وصلاحها، وقاله السدي وقتادة : ومن الأمور التي هي بغيرها مثل ما فيها من جبال البرد ونحوها، وأضاف الأمر إليها من حيث هو فيها. وقال الزمخشري : أمرها ما أمر به فيها ودبره من خلق الملائكة والنيرات وغير ذلك. ) وَحِفْظاً ( : أي وحفظناها حفظاً من المسترقة بالثواقب، ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى، كأنه قال : وخلقنا المصابيح زينة وحفظاً انتهى. ولا حاجة إلى هذا التقدير الثاني، وتكلفه مع ظهور الأول وسهولته ذلك إشارة إلى جميع ما ذكر، أي أوجده بقدرته وعزه وعلمه.
( فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْقَهُمْ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الاْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الاْخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ).
) فَإِنْ أَعْرَضُواْ ( : التفات خرج من ضمير الخطاب في قوله :) أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ( إلى ضمير الغيبة إعراضاً عن خطابهم، إذ كانوا قد ذكروا بما يقتضي إقبالهم وإيمانهم من الحجج الدالة على الوحدانية والقدرة الباهرة، ( فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ ( : أي أعلمتكم، ( صَاعِقَةُ ( أي حلول صاعقة. قال قتادة : عذاباً مثل عذاب عاد وثمود. وقال الزمخشري : عذاباً شديد الوقع، كأنه صاعقة. وقرأ الجمهور :) صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ (، وابن الزبير، والسلمي، والنخعي، وابن محيصن : بغير ألف فيهما وسكون العين، وتقدم تفسيرها في أوائل البقرة. والصعقة : المرة، يقال : صعقته الصاعقة فصعق، وهو من باب فعلت بفتح العين، ففعل بكسرها نحو : خدعته فخدع، وإذ معمولة لصاعقة لأن معناها العذاب.
( مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ (، قال ابن عباس : أي قبلهم وبعدهم، أي قبل هود وصالح وبعدهما. وقيل : من أرسل إلى آبائهم ومن أرسل إليهم ؛ فيكون ) مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ( معناه : من قبلهم، ( وَمِنْ خَلْفِهِمْ ( معناه : الرسل الذين بحضرتهم. فالضمير في من خلقهم عائد على الرسل، قاله الضحاك، وتبعه الفراء، وسيأتي عن الطبري نحو من هذا القول. وقال ابن عطية :) مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ( : أي تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى عمار عاد وثمود، وبهذا الاتصال قامت الحجة. ) وَمِنْ خَلْفِهِمْ ( : أي جاءهم رسول بعد تقدم وجودهم في الزمن، وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبر ومباشرة. انتهى، وهو شرح كلام ابن عباس. وقال الزمخشري :) مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ( : أي آتوهم من كل جانب، واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض. كما حكى الله عن الشيطان :) لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ( : أي لآتينهم من كل جهة، ولأعملن فيهم كل حيلة. وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة، لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاؤوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم. انتهى. وقال الطبري : الضمير في قوله :) وَمِنْ ( عائد على الرسل، وفي :) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ( عائد على الأمم، وفيه خروج عن الظاهر في تفريق الضمائر وتعمية المعنى، إذ يصير التقدير : جاءتهم الرسل من بين أيديهم وجاءتهم من خلف الرسل، أي من خلف أنفسهم، وهذا معنى لا يتعقل إلا إن كان الضمير يعود في