" صفحة رقم ٤٧٣ "
وموسى الأسواري : وإن يستعتبوا : مبنياً للمفعول، فما هم من المعتبين : اسم فاعل، أي طلب منهم أن يرضوا ربهم، فما هم فاعلون، ولا يكون ذلك لأنهم قد فارقوا الدنيا دار الأعمال، كما قال ( ﷺ ) ) :( ليس بعد الموت مستعتب ). وقال أبو ذؤيب : أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
ويحتمل أن تكون هذه القراءة بمعنى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.
ولما ذكر تعالى الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على كفر أولئك الكفرة، أردفه بذكر السبب الذي أوقعهم في الكفر فقال :) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء ( : أي سببنا لهم من حيث لم يحتسبوا. وقيل : سلطنا ووكلنا عليهم. وقيل : قدرنا لهم. وقرناء : جمع قرين، أي قرناء سوء من غواة الجن والإنس ؛ ) فَزَيَّنُواْ لَهُم ( : أي حسنوا وقد روا في أنفسهم ؛ ) مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (، قال ابن عباس : من أمر الآخرة، أنه لا جنة ولا نار ولا بعث. ) وَمَا (، قال ابن عباس : من أمر الدنيا، من الضلالة والكفر ولذات الدنيا. وقال الكلبي :) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ( : أعمالهم التي يشاهدونها، ( وَمَا خَلْفَهُمْ ( : ما هم عاملوه في المستقبل. وقال ابن عطية :) مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (، من معتقدات السوء في الرسل والنبوات ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء، ( وَمِنْ خَلْفِهِمْ ( : ما يأتي بعدهم من أمر القيامة والمعاد. انتهى، ملخصاً، وهو شرح قول الحسن، قال :) مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ( من أمر الدنيا، ( وَمَا خَلْفَهُمْ ( من أمر الآخرة. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم ؟ قلت : معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين، والدليل عليه :) وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً ). انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. ) وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ( : أي كلمة العذاب، وهو القضاء المختم، بأنهم معذبون. ) فِى أُمَمٍ ( : أي في جملة أمم، وعلى هذا قول الشاعر : إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو
كاً ففي آخرين قد أفكوا
أي : فأنت في جملة آخرين، أو فأنت في عدد آخرين، لست في ذلك بأوحد. وقيل : في بمعنى مع، ولا حاجة للتضمين مع صحة معنى في. وموضع في ) أُمَمٌ ( نصب على الحال، أي كائنين في جملة أمم، وذو الحال الضمير في عليهم. ) إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ ( : الضمير لهم وللأمم، وهذا تعليل لاستحقاقهم العذاب.
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ ( : أي لا تصغوا، ( لِهَاذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ ( : إذا تلاه محمد ( ﷺ ) ). قال أبو العالية : وقعوا فيه وعيبوه. وقال غيره : كان الرسول عليه السلام إذا قرأ في المسجد أصغى إليه الناس من مؤمن وكافر، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا : متى قرأ محمد ( ﷺ ) )، فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأرجاز حتى يخفى صوته، وهذا الفعل هو اللغو. وقرأ الجمهور والفراء : بفتح الغين مضارع لغى بكسرها ؛ وبكر بن حبيب السهمي كذا في كتاب ابن عطية، وفي كتاب اللوامح. وأما في كتاب ابن خالويه، فعبد الله بن بكر السهمي وقتادة وأبو حيوة والزعفراني وابن أبي إسحاق وعيسى : بخلاف عنهما، بضم الغين مضارع لغى بفتحها، وهما لغتان، أي ادخلوا فيه اللغو، وهو اختلاف القول بما لا فائدة فيه. وقال الأخفش : يقال لغا يلغى بفتح الغين وقياسه الضم، لكنه فتح لأجل حرف الحلق، فالقراءة الأولى من يلغى. والثانية من يلغو. وقال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون الفتح من لغى بالشيء يلغى به إذا رمى به، فيكون فيه بمعنى به، أي ارموا به وانبذوه. ) لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ( : أي تطمسون أمره وتميتون ذكره.
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( : وعيد شديد لقريش، والعذاب الشديد في الدنيا كوقعة بدر وغيرها، والأسوأ يوم القيامة. أقسم تعالى على الجملتين، وشمل الذين كفروا القائلين والمخاطبين في قوله :) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ ). ) ذالِكَ ( : أي جزاؤهم في الآخرة، فالنار بدل أو خبر مبتدأ محذوف