" صفحة رقم ٤٨١ "
ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء (، هدى : أي إرشاد إلى الحق، وشفاء : أي لما في الصدور من الظن والشك. والظاهر أن ) وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( مبتدأ، و ) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً ( هو موضع الخبر. وقال الزمخشري : هو في آذانهم وقر على حذف المبتدأ لما أخبر أنه هدى وشفاء للمؤمنين، أخبر أنه وقر وصمم في آذانهم، أي الكافرين، ولا يضطر إلى إضمار هو، فالكلام تام دونه أخبر أن في آذانهم صمماً عن سماعهم. ثم أخبر أنه عليهم عمى، يمنعهم من إبصار حكمته والنظر في معانيه والتقرير لآياته، وجاء بلفظ عليهم الدالة على استيلاء العمى عليهم، وجاء في حق المؤمنين باللام الدالة على الاختصاص، وكون والذين في موضع جر عطفاً على قوله :) لِلَّذِينَ ءامَنُواْ (، والتقدير : وللذين لا يؤمنون وقر في آذانهم إعراب متكلف، وهو من العطف على عاملين، وفيه مذاهب كثيرة في النحو، والمشهور منع ذلك. وقرأ الجمهور : عمى بفتح الميم منوناً : مصدر عمى. وقرأ ابن عمرو، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وابن هرمز : بكسر الميم وتنوينه. وقال يعقوب القارىء، وأبو حاتم : لا ندري نونوا أم فتحوا الياء، على أنه فعل ماض وبغير تنوين، رواها عمرو بن دينار وسليمان بن قتيبة عن ابن عباس. والظاهر أن الضمير في ) وَهُوَ عَلَيْهِمْ ( عائد على القرآن، وقيل : يعود على الوقر. ) أُوْلَائِكَ ( إشارة إلى الذين لا يؤمنون، ومن جعله خبراً، لأن الذين كفروا كانت الإشارة إليهم. ) يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (، قيل : هو حقيقة. قال الضحاك : ينادون بكفرهم وقبح أعمالهم بأقبح أسمائهم من بعد حتى يسمع ذلك أهل الموقف فتعظم السمعة عليهم ويحل المصاب. وقال علي ومجاهد : استعارة لقلة فهمهم، شبههم بالرجل ينادي من بعد، فيسمع الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه. وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي لا يفهم : أنت تنادي من بعيد، أي كأنه ينادي من موضع بعيد، فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه. وحكى النقاش : كأنما ينادون من السماء.
( وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ( تسلية للرسول في كون قومه اضطربوا فيما جاء به من الذكر، فذكر أن موسى عليه السلام أوتي الكتاب، وهو التوراة ؛ فاختلف فيه. وتقدم شرح هذه الآية في أواخر سورة هود عليه السلام، والكلام على نظير ) وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ( في قوله في سورة الحج :) وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ).
) وَإِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَراتٍ مّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ).
لما ذكر تعالى ) مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً ( الآية، كان في ذلك دلالة على الجزاء يوم القيامة، وكأن سائلاً قال : ومتى ذلك ؟ فقيل : لا يعلمها إلا الله، ومن سئل عنها فليس عنده علم بتعين وقتها، وإنما يرد ذلك إلى الله. ثم ذكر سعة علمه وتعلقه بما لا يعلمه إلا هو تعالى. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، والحسن بخلاف عنه ؛ ونافع، وابن عامر، في غير رواية : أي جلية ؛ والمفضل، وحفص، وابن مقسم :) مِن ثَمَراتٍ ( على الجمع. وقرأ باقي السبعة، والحسن في رواية طلحة والأعمش : بالإفراد. ولما كان ما يخرج من أكمام الشجرة وما تحمل الإنات وتضعه هو إيجاد أشياء بعد العدم، ناسب أن يذكر مع علم الساعة، إذ في ذلك دليل على البعث، إذ هو إعادة بعد إعدام،


الصفحة التالية
Icon