" صفحة رقم ٤٨٣ "
من عند الله بلا شك، ولكنه تنزل معهم في الخطاب. والضمير في ) أَرَءيْتُمْ ( لكفار قريش. وتقدم أن معنى أرأيتم : أخبروني عن حالكم إن كان هذا القرآن من عند الله، وكفرتم به وشاققتم في اتباعه. ) مَنْ أَضَلَّ مّنكُمْ (، إذ أنتم المشاقون فيه والمعرضون عنه والمستهزئون بآيات الله. وتقدم أن أرأيتم هذه تتعدى إلى مفعول مذكور، أو محذوف، وإلى ثانٍ الغالب فيه أن يكون جملة استفهامية. فالمفعول الأول محذوف تقديره : أرأيتم أنفسكم، والثاني هو جملة الاستفهام، إذ معناه : من أضل منكم أيها الكفار، إذ مآلكم إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.
ثم توعدهم بما هو كائن لا محالة فقال :) سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِى الاْفَاقِ ). قال أبو المنهال، والسدي، وجماعة : هو وعيد للكفار بما يفتحه الله على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر. ) وَفِى أَنفُسِهِمْ ( : أراد به فتح مكة، وتضمن ذلك الإخبار بالغيب، ووقع كما أخبر. وقال الضحاك، وقتادة :) فِى الاْفَاقِ ( : ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديماً، ( وَفِى أَنفُسِهِمْ ( : يوم بدر. وقال عطاء، وابن زيد : في آفاق السماء، وأراد الآيات في الشمس والقمر والرياح وغير ذلك، وفي أنفسهم عبرة الإنسان بجمسه وحواسه ويغريب خلقته وتدريجه في البطن ونحو ذلك. ونبهوا بهذين القولين عن لفظ سنريهم، لأن هلاك الأمم المكذبة قديماً، وآيات الشمس والقمر وغير ذلك، قد كان ذلك كله مريباً لهم، فالقول الأول أرجح.
وأخذ الزمخشري هذا القول وذيله فقال : يعني ما يسر الله عز وجل لرسول الله ( ﷺ ) )، وللخلفاء من بعده، وأنصار دينه في آفاق الدنيا، وبلاد المشرق والمغرب عموماً، وفي ناحية العرب خصوصاً من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلق الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة، وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعافهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أموراً خارجة عن المعهود خارقة للعادة، ونشر دعوة الإسلام في الأقطار المعمورة، وبسط دولته في أقاصيها، والاستقراء يطلعك في التواريخ والكتب المدوّنة في مشاهد أهله، وأيامهم على عجائب لا ترى وقعة من وقائعهم إلا علم من أعلام الله وآية من آياته تقوى معها النفس ويزداد بها الإيمان ويتبين أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يحيد عنه إلا مكابر خبيث مغالط نفسه. انتهى ما كتبناه مقتصراً عليه. ) حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ( : أي القرآن، وما تضمنه من الشرع هو الحق، إذ وقع وفق ما أخبر به من الغيب، و ) بِرَبّكَ ( : الباء زائد، التقدير : أو لم يكفك أو يكفهم ربك، و ) أَنَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٌ ( بدل من ربك. أما حالة كونه مجروراً بالباء، فيكون بدلاً على اللفظ. وأما حالة مراعاة الموضع، فيكون بدلاً على الموضع، وقيل : إنه على إضمار الحرف أي أو لم يكف ربك بشهادته، فحذف الحرف، وموضع أن على الخلاف، أهو في موضع نصب أو في موضع جر ؟ ويبعد قول من جعل بربك في موضع نصب، وفاعل كفى إن وما بعدها، والتقدير عنده : أو لم يكف ربك شهادته ؟ وقرىء : إن بكسر الهمزة على إضمار القول، وألا استفتاح تنبه السامع على ما يقال. وقرأ السلمي والحسن : في مرية بضم الميم، وإحاطته تعالى بالأشياء علمه بها جملة وتفصيلاً، فهو يجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم.


الصفحة التالية
Icon