" صفحة رقم ٥٦ "
جاز هذا لجاز أن لا يضرب القوم إلا زيداً، بمعنى : وإنما أضرب غيرهم إلا زيداً، وهذا ضد البيان والمجيء بما لا يعرف معناه. انتهى. وقالت فرقة : إلا بمعنى الواو، والتقدير : ولا من ظلم، وهذا ليس بشيء، لأن معنى إلا مباين لمعنى الواو مباينة كثيرة، إذ الواو للإدخال، وإلا للإخراج، فلا يمكن وقوع أحدهما موقع الآخر. وروي عن الحسن، ومقاتل، وابن جريج، والضحاك، ما يقتضي أنه استثناء متصل.
قال ابن عطية : وأجمع العلماء على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، واختلف فيما عداها، فعسى أن يشير الحسن وابن جريج إلى ما عدا ذلك. انتهى. وقال الزمخشري : وإلا بمعنى لكن، لأنه لما أطلق نفي الخوف عن المرسل كان ذلك مظنة لطرو الشبهة فاستدرك ذلك، والمعنى : ولكن من ظلم منهم، أي فرطت منهم صغيرة مما لا يجوز على الأنبياء، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف، ومن موسى، بوكزة القبطي. ويوشك أن يقصد بهذا التعريض ما وجد من موسى، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها، وسماه ظلماً ؛ كما قال موسى :) رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى ). انتهى. وقرأ أبو جعفر، وزيد بن أسلم : ألا من ظلم، بفتح الهمزة وتخفيف اللام، حرف استفتاح. ومن : شرطية. والحسن : حسن التوبة، والسوء : الظلم الذي ارتكبه. وقرأ الجمهور : حسناً، بضم الحاء وإسكان السين منوناً. وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني : كذلك، إلا أنه لم ينون، جعله فعلى، فامتنع الصرف ؛ وابن مقسم : بضم الحاء والسين منوناً. ومجاهد، وأبو حيوة، وابن أبي ليلى، والأعمش، وأبو عمرو في رواية الجعفي، وأبو زيد، وعصمة، وعبد الوارث، وهارون، وعياش : بفتحهما منوناً.
( وَأُدْخِلَ ( : أمر بما يترتب عليه من ظهور المعجز العظيم، لما أظهر له معجزاً في غيره، وهو العصا، أظهر له معجزاً في نفسه، وهو تلألؤ يده كأنها قطعة نور، إذا فعل ما أمر به. وجواب الأمر الظاهر أنه تخرج، لأن خروجها مترتب على إدخالها. وقيل : في الكلام حذف تقديره : وأدخل يدك في جيبك تدخل، وأخرجها تخرج، فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول. قال قتادة :) فِى جَيْبِكَ ( : قميصك، كانت له مدرعة من صوف لا كمين لها. وقال ابن عباس، ومجاهد : كان كمها إلى بعض يده. وقال السدي : في جيبك : أي تحت إبطك. والظاهر أن قوله :) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ ( متعلق بمحذوف تقديره : اذهب بهاتين الآيتين :) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ (، ويدل عليه قوله بعد :) فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءايَاتُنَا مُبْصِرَةً (، وهذا الحذف مثل قوله : أتوا ناري فقلت منون أنتم
فقالوا الجن قلت عموا ظلاماً
وقلت إلى الطعام فقال منهم
فريق يحسد الإنس الطعاما
التقدير : هلموا إلى الطعام. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك، في ) تِسْعِ ءايَاتٍ (، أي في جملة تسع آيات. ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة، ثنتان منها : اليد والعصا، والتسع : الفلق، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة، والجذب في بواديهم، والنقصان من مزارعهم. انتهى. فعلى الأول يكون العصا واليد داخلتين في التسع، وعلى الثاني تكون في بمعنى مع، أي مع تسع آيات. وقال ابن عطية :) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى ( متصل بقوله :) أَلْقِ وَأُدْخِلَ (، وفيه اقتضاب وحذف تقديره : نمهد ذلك وتيسر لك في جملة تسع آيات وهي : العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والحجر ؛ وفي هذين الأخيرين اختلاف، والمعنى : يجيء بهنّ إلى فرعون وقومه. وقال الزجاج : في تسع آيات، أي من تسع آيات، كما تقول : خذ ) لِى ( عشراً من الإبل فيها فحلان، أي منها إلى فرعون، أي مرسلاً إلى فرعون. انتهى. وانتصب ) مُبْصِرَةً ( على الحال، أي بينة واضحة، ونسب الإبصار إليها على


الصفحة التالية
Icon