" صفحة رقم ٦٢ "
( سقط : ناب مناب الألف التي تختلجها أم، انتهى فظاهر هذا الكلام أن أم متصلة، وأن الاستفهام الذي في قوله ومالي ) ناب مناب ألف الاستفهام، فمعناه عنده : أغاب عني الآن فلم أره حالة التفقد ؟ أم كان ممن غاب قبل ولم أشعر بغيبته ؟ وقال الزمخشري : أم هي المنقطعة، نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال :) مَا لِى لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ ( ؟ على معنى : أنه لا يراه، وهو حاضر، لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب، فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : أهو غائب ؟ كأنه سأل صحة ما لا ح له، ونحوه قولهم : إنها لإبل أم شاء ؟ انتهى. والصحيح أن أم في هذا هي المنقطعة، لأن شرط المتصلة تقدم همزة الاستفهام، فلو تقدمها أداة الاستفهام غير الهمزة، كانت أم منقطعة، وهنا تقدم ما، ففارت شرط المتصلة. وقيل : يحتمل أن تكون من المقلوب وتقديره : ما للهدهد لا أراه ؟ ولا ضرورة إلى ادعاء القلب. وفي الكشاف، أن سليمان لما تم له بناء بيت المقدس، تجهز للحج، فوافى الحرم وأقام به ما شاء، ثم عزم على المسير إلى اليمن، فخرج من مكة صباحاً يؤم سهيلاً، فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضاً حسناء أعجبته خضرتها، فنزل ليتغذى ويصلي، فلم يجد الماء، وكان الهدهد يأتيه، وكان يرى الماء من تحت الأرض. وذكر أنه كان الجن يسلخون الأرض حتى يظهر الماء.
( لاعَذّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً ( : أبهم العذاب الشديد، وفي تعيينه أقوال متعارضة، والأجود أن يجعل أمثلة. فعن ابن عباس، ومجاهد، وابن جريج : نتف ريشه. وقال ابن جريج : ريشه كله. وقال يزيد بن رومان : جناحه. وقال ابن وهب : نصفه ويبقى نصفه. وقيل : يراد مع نتفه تركه للشمس. وقيل : يحبس في القفص. وقيل : يطلى بالقطران ويشمس. وقيل : ينتف ويلقى للنمل. وقيل : يجمع مع غير جنسه. وقيل : يبعد من خدمة سليمان عليه السلام. وقيل : يفرق بينه وبين إلفه. وقيل : يلزم خدمة امرأته، وكان هذا القول من سليمان غضباً لله، حيث حضرت الصلاة وطلب الماء للوضوء فلم يجده، وأباح الله له ذلك للمصلحة، كما أباح البهائم والطيور للأكل، وكما سخر له الطير، فله أن يؤدّيه إذا لم يأت ما سخر له.
وقرأ الجمهور : أو ليأتيني، بنون مشددة بعدها ياء المتكلم، وابن كثير : بنون مشددة بعدها نون الوقاية بعد الياء ؛ وعيسى بن عمر : بنون مشددة مفتوحة بغير ياء. والسلطان المبين : الحجة والعذر، وفيه دليل على الإغلاط على العاصين وعقابهم. وبدأ أولاً بأخف العقابين، وهو التعذيب ؛ ثم أتبعه بالأشد، وهو إذهاب المهجة بالذبح، وأقسم على هذين لأنهما من فعله، وأقسم على الإتيان بالسلطان وليس من فعله لما نظم الثلاثة في الحكم بأو، كأنه قال : ليكونن أحد الثلاثة، والمعنى : إن أتى بالسلطان، لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإلا كان أحدهما. ولا يدل قسمه على الإتيان على ادعاء دراية، على أنه يجوز أن يتعقب حلفه بالفعلين وحي من الله بأنه يأتيه بسلطان، فيكون قوله :) أَوْ لَيَأْتِيَنّى بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( عن دراية وإيقان.
وقرأ الجمهور : فمكث، بضم الكاف ؛ وعاصم، وأبو عمرو في رواية الجعفي، وسهل، وروح : حّبضمها. وفي قراءة أبيّ : فيمكث، ثم قال : وفي قراءة عبد الله : فيمكث، فقال : وكلاهما في الحقيقة تفسير لا قراءة، لمخالفة ذلك سواد المصحف، وما روي عنهما بالنقل الثابت. والظاهر أن الضمير في فمكث عائد على الهدهد، أي غبر زمن بعيد، أي عن قرب. ووصف مكثه بقصر المدة، للدلالة على إسراعه، خوفاً من سليمان، وليعلم كيف كان الطير مسخراً له، ولبيان ما أعطى من المعجزة الدالة على نبوته وعلى قدرة